السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أمر بظروف نفسية لا يعلمها إلا الله، ولكن ما يهون علي هو الصلاة والذكر. تركت عملي لأني كنت على وشك السفر إلى وظيفة أفضل، ولكن قدر الله أن أخسر كل الفرص.
أنا على يقين أن هذا نتيجة ما فعلته من ذنوب ومعاص لا تعد ولا تحصى، أحاسب عليها في دنياي، أذنبت قدر ما أذنبت قبل الزواج، ولكن بعد الزواج أخذت أتدرج في الابتعاد عن المعاصي إلى أن التزمت بالصلاة والأذكار وبكل ما يقربني إلى الله، ولكن لا أعلم لماذا أزداد ضيقا في النفس بعد أن أخفق في أي فرصة أراها أفضل؟ أعلم أنه خير، ولكن هذا اليقين يقين عقلي لا بصدري وقلبي.
كل الذي أريد أن أصل إليه هو اطمئنان نفسي وليس عقلي على مستقبل أولادي، هل من الخطأ أن أطمح في زيادة المال الحلال الطيب؟ وهل أسعى جاهدا إليه لتكريم زوجتي - حفظها الله - التي كانت أحد أسباب هدايتي، ولتأمين مستقبل بناتي، ولتحقيق كل ما يتمنونه، وطلبا في مساعدة أبي وأمي وإخوتي، ومساعدة المحتاجين؟
أعلم بيقين عقلي أن القادم أفضل ولن يخيب الله رجائي طالما حافظت على علاقتي به سبحانه، وابتغيت مرضاته، ولكن يضيق صدري وأستشعر بأن القادم أصعب، وأني لن أتحمل هذا القادم، رغم كل كبوة كنت وقعت فيها، إلا أني أجد الله ينقذني منها، ولكن تلك المرة الذي قدر فيها الخير ولم أسافر كانت بمثابة السهم في قلبي؛ فكيف أزرع في صدري الطمأنينة واليقين بأفضلية المستقبل القادم؟
أحافظ على الصلاة في مواعيدها جماعة قدر المستطاع، والصدقة، والذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن حتى تطمئن نفسي، ولكن طيلة الوقت أكون خائفا من المستقبل، وأخاف من ذلك الخوف أن يأخذني للقنوط.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.
أولا: نهنئك بتوفيق الله تعالى للتوبة والرجوع إليه، نسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والهداية والصلاح.
وقد أحسنت – أيها الحبيب – حين أدركت أن ما قد يصيبك من الحرمان إنما هو بسبب نفسك، وليس لأمر آخر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه)، ولكن مع هذا ينبغي ألا تفرط في هذا النوع من التأنيب لنفسك، وأن تعلم أن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب بالتوبة، فإذا تاب الإنسان من ذنوبه – أي ندم على فعل الذنب، وعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، وأقلع عن الذنب – فإن الله تعالى يمحو ذنبه السابق بهذه التوبة، فقد قال النبي (ﷺ): (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
فكل ذنب تبت منه فإن الله تعالى يمحوه، لأنه قال: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون} [الشورى: 25]، بل وعد سبحانه وتعالى بأن يبدل سيئات التائب حسنات، فقال سبحانه: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} [الفرقان: 70].
فلا تبالغ أبدا في القلق من الماضي الذي أذنبت فيه، وجاهد نفسك على إحسان التوبة باستكمال أركانها الثلاثة التي ذكرناها. وتفاءل بالمستقبل الطيب إن شاء الله، لأنك تبشر بقوله تعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل: 97]، وبقوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 277]، فلا خوف وحزن على مستقبل مأمون من الله تعالى لمن كان هذا حاله.
واعلم أن الله سبحانه وتعالى أرحم بك من نفسك، وهو يقدر لك الخير بأساليب خفية، وهو اللطيف، واللطف معناه إيصال الخير بطرق خفية، فربما أحببت شيئا وحرصت عليه ولكن الله تعالى يعلم أنه ليس هو الخير، وأنه يحمل لك في المستقبل أنواعا من المضار، فيصرفه عنك وأنت حريص عليه، كما قال الله في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].
فإذا قدر الله تعالى أن صرف عنك شيئا مما تحب من الوظائف أو الأرزاق فلا تحمل الأمر أكثر مما يحتمل، وارض بتدبير الله تعالى وحسن تصريفه لأمورك، واعلم أن في ذلك الخير، فهذا السفر الذي أوقعك في كل هذه الحالة النفسية التي تعيشها ما يدريك أنه كان يحمل لك في مستقبل الأيام خيرا، فالله تعالى أعلم منك.
واعلم أن المستقبل والهموم بسببه أمر مما لا ينبغي للإنسان العاقل أن يشتغل به، وكما قال الأدباء: (أكثر الهموم كاذبة، وأغلب الخوف مدفوع) فالهموم التي تكون للمستقبل إنما هي هموم يستعجل بها الإنسان شيئا غير حاصل، فدع الأمور وفوضها لله سبحانه وتعالى، وخذ بالأسباب المباحة الممكنة للوصول إلى رزقك، واعلم أن الله سبحانه وتعالى هو رزاق الناس أجمعين، ومنهم أبناؤك وبناتك، فالله تعالى يدبر لنا الأمور بما يظهر لنا وبما يخفى، فلا تحمل نفسك من الهموم ما ينبغي أن تتحمله.
داوم على ما أنت عليه من الذكر والطاعات، وأشغل نفسك بما ينفع ويفيد من أمر دين أو دنيا، وسيجعل الله تعالى لك فرجا ومخرجا.
نسأل الله تعالى أن ييسر لك كل عسير.