السؤال
السلام عليكم
أنا ملتزمة بالصلاة في وقتها، وألزم الاستغفار والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وأجتهد في ترك المعاصي، وفعل ما يحب الله ويرضاه، ورغم ذلك لا ألقى التوفيق في حياتي، تلازمني الوساوس والكآبة، أصبحت شديدة البؤس، فقدت الرغبة في كل شيء، لم أعد قادرة على التكلم، وأصابني البرود وشدة الانفعال والغضب، أغضب على الصغيرة قبل الكبيرة، وعلى أتفه الأشياء، أصبح الجميع يكرهني حتى عائلتي، وفقدت الأمل في كل شيء رغم محاولاتي العديدة.
كنت فتاة ذات فخر وثقة، أصبحت لا أطيق نفسي ولا حياتي، وأكره مظهري، وما آل إليه حالي، طردت البركة من حياتي، والحبوب تطغى على وجهي، والهالات تحت عيني، وتقصف شعري، أصبحت أكره نفسي بشدة، وفقدت ثقتي بنفسي تماما، حاولت بشتى الطرق، ولم أنجح.
لازمت الصلاة والاستغفار، وقراءة القرآن، والأذكار، والصدق في كل قول، واحترام الناس حتى أني أصبحت أزهرية، ولكن كل ذلك لا ينفع معي، فماذا علي أن أفعل؟
مع العلم أني قرأت جميع الفتاوي السابقة، والتزمت ببعض ما قيل فيها عن اليقين والثقة بالله وقراءة القرآن، والصلاة، ولكن لم ينفع.
أرجو الإفادة، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك وأن يصلح الأحوال.
أرجو أن تعلمي أن الذي يقدره الله هو الخير، قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار)، وقال عمر رضي الله عنه: (لو كشف الحجاب ما تمنى الناس إلا ما قدر لهم)، وعجبا لأمر المؤمن والمؤمنة، إن أمرهم كله خير، وليس ذلك لأحد إلا لأهل الإيمان، إن أصابهم الشر فصبروا فكان خيرا لهم، أو جاءت النعم فشكروا كان خيرا لهم، قال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، ويا له من رب كريم.
إذا مس بالسراء عم سرورها *** وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وما منهما إلا له فيه نعمة *** تضيق بها الأوهام والبر والبحر
نحن سعداء لأنك تعرفين الطريق إلى الصلاة، والاستغفار، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الذي نريد أن ننبه له - وهو في غاية الأهمية - أن المؤمنة لا تفعل هذا على سبيل التجربة، إنما تفعل هذا رغبة في ما عند الله تبارك وتعالى، وإن تأخر الخير، أو لم يتحقق للإنسان ما يريده، فلا يعني أن الله غاضب عليه، ولا يعني أنه ينبغي أن يتراجع، فما من مسلمة تدعو الله بدعوة - أو مسلم - إلا أعطاها الله بها إحدى ثلاث:
- إما أن يستجيب الله دعوته أو دعوتها.
- وإما أن يدخر لها أو له من الأجر مثلها.
- وإما أن يرفع عنه أو عنها من البلاء مثلها.
حتى قال عمر: (إذا نكثر يا رسول الله) قال صلى الله عليه وسلم: (الله أكثر)، خير الله أكثر، ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل) قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء).
اعلمي أن ترك الدعاء لا يفرح سوى عدونا الشيطان، فالإنسان يستمر في ما هو عليه، واحرصي على أن تطيعي الله تبارك وتعالى، واعلمي أن اشتداد البلاء ما هو إلا رفعة عند الله تبارك وتعالى، ومزيد اختبار بالنسبة لك، واعلمي أن الصبر يوصل إلى الجنة، كما أن الشكر يوصل إلى الجنة، وننصحك بالآتي:
- الدعاء لنفسك بأن يقدر لك الخير حيث ما كان.
- لزوم طريق الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- المواظبة على الصلاة والحرص على أدائها في أوقاتها، فأحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها.
- الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وتفويض الأمر كله لله.
- معرفة النعم والقيام بشكرها؛ لأن الإنسان ينال بشكره لربه المزيد.
- الحرص على القرب من الوالدين، بر الوالدين، واطلبي منهم الدعاء.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به، واعلمي أن البركة تعود بعودة التقوى والإنابة لله، كما أن الطمأنينة تعود بذكرنا لله، الذي يقول: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، هذا العنصر الأول الذي بحثت عنه الدنيا، ولا يوجد إلا في ذكر الله وطاعته، وعنصر البركة أيضا لا يوجد إلا في التقوى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}.
فعودي إلى الطاعة، واستمري على الطاعة، واجعلي عملك في الطاعات وفي الخيرات رغبة في ما عند رب الأرض والسماوات.
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.