السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
متزوجة منذ خمس سنوات، وأم لطفلة في عمر السنتين والنصف، كانت ابنتي هادئة، تعاندني أحيانا وتطيع أوامري أحيانا أخرى، لكون العناد صحيا في هذه المرحلة، والكل يشيد بسعة صدري، وحسن تعاملي في تربيتها.
فجأة صارت الطفلة عصبية تضرب وجهها، وتركل وتصرخ على أتفه الأمور، ولا أقول إنه دلع، فهي تصر على أمر، وإن لبيته لها تقول لا، وتريد أن آخذها في حضني، وأقوم برقيتها فتهدأ قليلا ثم تعود.
كانت تنام مستقلة في سريرها، ولا تضع الحفاظات -بفضل الله- فأصبحت تطلب النوم معنا على السرير وتتبول أحيانا، فلست أدري هل هذا طبيعي بسبب التسنين، وهل هي مرحلة طفولة عابرة، أم أنها عين؟
لم أعد أعرف كيف أتصرف معها، حتى صرت مختنقة، وأبوها عصبي يضربها، فيحدث الصراع بيني وبينه، علما أن الحب موجود بيننا، وهو على خلق، ويعتبرنا بعض الناس نموذجا للزواج الناجح -ولا نزكي على الله أحدا- وأيضا نحن نتعلم ونحاول تجاوز العقبات، لكن العلاقة توترت مؤخرا.
أحس بضيق في صدري، ونفور من كل شيء، وأحاول الأخذ بأسباب الإصلاح كالتفقه في الدين، والالتحاق بأكاديمية تعلمنا تربية الأولاد في الإسلام، وكيفية التأسي بالصحابيات، ما لي وما علي، وكيف أصل إلى درجة الإحسان، وتزكية النفس؟ وهذا يعينني على الصبر، وهو من فضل الله علينا. فما نصيحتكم لي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - بنتنا الفاضلة - في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونحيي رغبتك بالتزود بوسائل وطرائق تربية الأبناء، ونحب أن ننبه إلى أن الآباء والأمهات بحاجة إلى أن يعرفوا خصائص المراحل العمرية التي يمر بها هؤلاء الأطفال.
نحب أن نسأل: ما هو المتغير؟ هل جئتم إلى مكان جديد؟ هل دخلت طفلة جديدة كصديقة لها؟ هل عندكم مشروع إنجاب طفل، مثلا؟ هل أنت حامل بطفل جديد؟ يعني: ما هو الشيء الذي حدث مع هذا التطور؟ هذا اعتبار أول.
الاعتبار الثاني: هل هناك تاريخ محدد حصل فيه هذا التغير في سلوك هذه الطفلة؟ هل هناك من مدحها وأثنى عليها مثلا؟ لأن (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين).
ثالثا: هل يظهر أمام الطفلة خلاف بينك وبين والدها؟ هل أنتم على خطة مختلفة بحيث يقول الوالد (يمينا) وأنت تقولين (يسارا)، أم هناك خطة موحدة في التعامل مع هذه الطفلة؟ كيف كانت الاستجابة لها عندما ترفض وتتوتر وتعاند؟ لأن هذا منهج، الطفلة الآن تختبركم، فإذا حصلت الاستجابة لتوترها ولغضبها أو لبكائها؛ فعندها سيصبح التحكم في يدها.
من حقنا أن نهتم لأطفالنا إذا دمعت أعينهم، لكن علينا أن ندرك أن الطفل قد يبكي من الجوع، وقد يبكي من الخوف، وقد يبكي من ألم ما في جسمه، فإذا بكى من الألم فعلينا أن نداويه، أو بكى من الجوع نطعمه، أو بكى من الخوف نضمه.
أما إذا بكى من الدلال فمن الخطأ أن نسارع في حمل الطفل لبكائه، فإن البكاء لا يضره، كما قال طبيب القلوب ابن القيم: تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال، وما لهم فيه من المنفعة؛ فإن الأطباء شهدوا منفعة ذلك وحكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثا عظيمة، فالبكاء يسيل ذلك، ويحدره من أدمغتهم، فتقوى أدمغتهم وتصح، وأيضا البكاء يوسع عليه مجاري النفس، ويفتح العروق ويصلبها، ويقوي الأعصاب.
سعدت جدا برغبتك في أن تتعلمي فنون التربية، لكن الأمر كما قال الأستاذ (مالك بن نبي) عندما جاءه من قال: ولد لي مولود وأريد أن أعرف منهج الإسلام في تربيته؟ قال: منذ متى؟ قال: منذ شهر؟ قال: لقد تأخرت كثيرا، ثم قال له: لعله يبكي فتسارعوا إلى حمله؟ قال: أجل، قال: فلا تفعلوا، فإنه إذا كبر وضربه البعض، لن تكون عنده إلا الدموع والشجب والتنديد.
وتلاميذ ابن القيم كانوا يأخذون هذا عنه، فإذا كنا قد أدينا ما علينا، والطفلة أكلت وشربت ونامت، ومرتاحة -ليست مريضة- وليس عندها ما يزعجها؛ فإن بكت فعلينا ألا نسارع إلى إرضائها، وابن القيم يقول: (فإن الدموع لا تضره)، وقال: (وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمع من بكائه وصراخه).
أنا أريد أن تتابعوا هذه الوسائل، ومن المهم أن تكوني مع الزوج على خطة موحدة، ونحن نرفض ضرب الطفل في هذا السن، فهذا لا يمكن أن يقبل من الناحية التربوية، وهذا لن يزيد الأمور إلا سوءا، ولا يجوز أن يضرب الطفل في هذه السن، قيل للإمام أحمد: أيضرب الصبيان؟ قال: (على قدر ذنوبهم إذا بلغوا عشرا، ويتوقى بجهده الضرب، وإذا كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه)، وقال: (الولد يضرب على الأدب)، وعليه نحن ننصح بالآتي:
- عليكم بالدعاء لأنفسكم ولها.
- قراءة الرقية الشرعية على الطفلة، وتدريبها على المحافظة على أذكار الصباح والمساء.
- الاتفاق على خطة موحدة مع الزوج.
- تجنب ضربها أو الصراخ عليها.
- معرفة أسباب هذا التوتر.
- فهم احتياجات المراحل العمرية.
طبعا العناد الفعلي يبدأ الآن، يبدأ من سنتين أو سنتين ونصف، إذا كانت هي الأولى فعمر سنتين ونصف يكون العناد الفعلي قد بدأ الآن، والعناد كما قلت مظهر إيجابي، ولكن استجابتنا للعناد، تلبيتنا لكل طلباتها إذا عاندت، هذا لا يزيد الأمر إلا سوءا.
إعطاء أوامر كثيرة، إعطاء أشياء تحتمل إجابة بـ (لا) أو (نعم)، ظهور عناد أمامها، تعاندين زوجك أو يعاندك، الحديث عن أطفال معاندين أو ترى معاندين ينالون حقوقهم، فعند ذلك يزيد الشيء فينقلب إلى ضده.
أنتم -ولله الحمد- ستظلون نموذجا، ونتمنى أن يحمل الزوج نفس الهم، وأن يكون مساعدا في تطوير مهاراتكم، ونسأل الله أن يصلح البنية والذرية.
والله الموفق.