السؤال
السلام عليكم ورحمة الله بركاته
أعاني من سرعة الغضب والانفعال مع أمي، التزمت بالصلاة في المسجد آخر فترة، وابتعدت عن محرمات كثيرة -الحمد لله- وأحاول يوميا أن أكون بأقل عدد ممكن من الذنوب، ولكن أخاف أن يذهب هذا هباء، وأكون من أهل النار بسبب هذا الشيء، حاولت أن أكون بارا معها، وأتكلم معها، وأفتح معها بعض الأحاديث، لكن كل مرة أحاول فيها أن أفعل ذلك تجيب بأقصر جواب، وبأسلوب يجعلك تنفر منها بشكل لا إرادي!
لا أحب أن يتكلم معي أحد بأسلوب متعال وفظ، وأنفر منه، فكيف إذا كان هذا الشخص هو أمي؟
رأيت أنها -والله- لا تجيب أو تتكلم مع أي أحد من إخوتي بهذه الطريقة! وحتى لو فعلت معهم ذلك هم لا يغضبون، لكن عن نفسي أغضب بسبب كلامها، وكلما أتذكر هذا الشيء يزيد نفوري منها أكثر وأكثر، ودائما تحقر ما أريد أن أعمله، والأعجب من هذا تضحك وتتكلم مع أخي الذي يرفع صوته بعض الأحيان وغير المحترم، عجيب!
ما الحل؟ لم أرفض لها طلبا، ولم أفعل شيئا يغضبها، والعكس تغضب من أتفه الأشياء التي أفعلها! فكرت في أن أتجنبها وأبتعد عنها بدون أن أسيء لها أو أرفض لها طلبا، وهي لن تتضرر بابتعادي؛ لأنه لو لم أفعل ربما سأكون عاقا! فهل أفعل هذا؟
وخالتي كانت معي منذ أن كنت طفلا، وأشعر في قلبي بأني أحبها أكثر من أمي، فهل أبرها؟ وهل أحصل على أجر بر الوالدين بهذا؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك - ابننا الفاضل - في الموقع، ونشكر لك التواصل مع موقعك، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا وإياك البر بآبائنا وأمهاتنا في حياتهم وبعد مماتهم، فشأن البر عظيم، والصبر على الوالدة من أوسع أبواب البر لها، وإذا لم يصبر الإنسان على أمه فعلى من يكون الصبر؟!.
ولا نؤيد فكرة الابتعاد عن أمك، بل ندعوك إلى الصبر عليها، والاجتهاد، والسعي في إرضائها، إذا شعرت بضيق فابتعد ثم عد إليها مشتاقا، عد إليها خادما، حريصا على رضاها، واعلم أن الخالة أم، وبرك بها نافع جدا، لكن الأم تظل أما، والخالة لها من الحظ والحظوة، من البر والإحسان ما لا يعلمه إلا الله؛ لأن الخالة أم، كما جاء عن رسولنا (ﷺ).
وأرجو ألا تقارن نفسك بالآخرين من إخوانك، واعلم أن البر طاعة لله -تبارك وتعالى- إذا قام الإنسان بما عليه فلن يضره ما يحدث بعد ذلك، فبعض الناس يقوم ببره كاملا تجاه والده، وقد لا يرضى الوالد، ويقوم بالبر كاملا تجاه أمه وقد تظل غاضبة، هذا الغضب وعدم الرضا من الوالدين لا يضر الإنسان إذا قام بما عليه؛ لأن البر عبادة لله الذي أمر ببر الآباء والأمهات.
ولذلك أشار العلماء إشارة لطيفة في سورة الإسراء، بعد أن تكلم ربنا العظيم عن بر الوالدين وربط برهما بطاعته: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23] يقول في ختام الآيات: {ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} [الإسراء: 25]. قال العلماء والفضلاء: في الآية تعزية وتخفيف على كل من يقوم بما عليه من البر تجاه الوالدين ولا يجد رضا أو قبولا من الوالد أو الوالدة؛ فالعبرة ببره، والعبرة بما في قلبه من الرغبة في الخير والنفع لهم، وأجره عند الله كاملا.
لذلك نتمنى أن تستمر في الصبر، وأن تجتهد في معرفة الأشياء التي ترضي الوالدة وتسعدها، وحاول أيضا أن تقوم بما عليك دون أن تلتفت إلى ما يحصل من إخوانك وأخواتك معها.
نسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يلين قلب الوالدة حتى تشعر بك، وحتى تكون عادلة بينك وبين إخوانك، ونكرر: تقصير الوالدة - إن حصل - لا يقابل بالتقصير؛ لأنك تعبد الخالق القدير، السميع البصير، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فاجتهد في بر الوالدة، ولا تشعرها أنك مبتعد لأنك متضايق؛ لأن هذا قد يضايقها، لكن أنت أعلم بالأوقات المناسبة لها، حاول أن تعرف الأشياء التي تفرحها، والأشياء التي تغضبها، لتتفادي ما يغضبها وتفعل ما يفرحها.
نسعد بالاستمرار في التواصل، وأرجو أن تستفيد من الخالة، واطلب منها أن تلين قلب أختها التي هي والدتك، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.