أكره نفسي بسبب قصر قامتي ولم يتقدم أحد للزواج بي!

0 40

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة قصيرة القامة، طولي 127 سم، وعمري 31 عاما، وأنا وحيدة، لكم أن تتخيلوا كيف أواجه الحياة والمجتمع، لا يرغب أحد بالزواج مني، لدرجة أني -بكل أسف- أكره نفسي فعلا، وأريد الانتحار، فلم أعد أحتمل!

لكن سؤالي: هل هذا ابتلاء من الله عز وجل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Eman حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: لماذا هذا الغضب؟ ولماذا تكرهين نفسك؟ وماذا تقول من ولدت مشلولة، أو ولدت عمياء، أو ولدت بسرطان ساكن جسدها لا يبرح، أو ولدت بمرض في وجهها لا يعرف علاجه ولا يرجى الشفاء منه؟!!

أختنا الكريمة: نحن عبيد الله، خلقنا ورزقنا وسوانا، بيده وحده الأمر كله، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل، إن آمنا بقضائه وقدره رضي عنا، وإن لم نرض سخط عنا، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط. فإذا آمنا بذلك وسلمنا لله الأمر، وصبرنا على ما قدر سبحانه، واحتسبنا ذلك عنده أخذنا الأجر، وصرف الله عنا الهم والغم الذي قد يصل إلى حد الجنون، وأبدلنا الله خيرا مما أردنا، وإذا اعترضنا - عياذا بالله - فلن يتغير من قدر الله شيء، ولن نحصل على الأجر الذي هو غاية المؤمن، ولن نسعد بالحياة، ولن نجد السكينة.

ثانيا: الدنيا دار كدر وابتلاء - أختنا الكريمة - وهو المقصود في هذه الدنيا، الاختبار والامتحان {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} [البقرة: 155] ، {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا} [الكهف: 7] ، {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} [الأنبياء: 35].

يبتلينا الله تعالى ليظهر الصادق من الكاذب، فمن صبر أخذ الأجر كاملا، ومن جزع نال الخسارة والحسرة، الكل لا محالة مبتلى، وقديما قيل:

ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور، وهم، واجتماع، وفرقة *** وعسر ويسر، ثم سقم وعافية

والعاقل - أختنا الكريمة - ليس من ينظر إلى البلاء على أنه مصيبة، بل من ينظر إليه على أنه نعمة مع الصبر، وفيه من الخير أضعاف ما فيه من الشر لو تأمل، هذه النظرة وهذا الاحتساب يخفف عنك كثيرا من الآلام. فكم من ذنوب كفرها الله عنا بمثل البلاء، وقد قال بعض السلف: "لولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس".

هذه النظرة الشرعية إذا استقرت في نفسك ستغير نفسيتك تماما، وسترطب قلبك، فإن البلاء سيف من سيوف الله في الأرض يختبر به أهل الصلاح ليرفع درجاتهم، والمؤمن الصابر المحتسب هو من يتلقى البلاء برضا ويقين، والمؤمن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ويعلم أن كل بلاء عند الصبر عليه نعمة لصاحبه، فقد قال (ﷺ): (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له) ، فكل حياة المؤمن شكر أو صبر.

هكذا هو المسلم العاقل، يرضى دائما بقسمة الله له دون سخط عليه؛ لأنه لا يدري لو تغير حاله من حال إلى غيره هل يكون خيرا له أم لا؟ هكذا علمه القرآن: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216] لذا هو مسلم لله فيما أمر، متوكل عليه فيما طلب، شاكر له فيما رزق، راض بما أصيب به من ضر أو عناء، وهو يدرك أنه مأجور في كل ذلك، هذه المعاني لا بد أن تصل إلى قلبك وعقلك؛ لأنه عامل هام جدا من عوامل تهدئة النفس عندكم.

ثالثا: لا يصلح مع البلاء إلا الرضا بالقضاء، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، ولا يغير هذا من قدر الله شيئا، لذلك قال (ﷺ): (عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) فالابتلاء دليل عافية، ولذلك هو مصاحب لأهل الصلاح، وهذه حقيقة ذكرها نبينا (ﷺ) حين قال: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه) وهو بهذا المعنى خير للمؤمن.

رابعا: إن الكره الذي تتحدثين عنه مصدره أنت، فقد حملت نفسك فوق طاقتها بالنظرة السلبية لذاتك، وضخمت صفة القصر مع أنها ليست بذاك السوء، فهناك من طوله 100 سم ومتعايش مع ذاته، بل هو محل احترام ممن حوله، والناس يرونك - أختنا الفاضلة - من خلال انطباع نفسك في نفسك، فإذا كانت ثقتك كاملة بها، ورضاك عن الله حاضر؛ فإن هذا سيتسرب إلى محدثيك حتما، وعليه فلا بد من تغيير المقاييس والمعايير التي تستخدمينها في تقييم نفسك.

خامسا: مسألة الزواج لا تخضع لطول ولا قصر، فكم من فتاة طويلة وجميلة ولم يتقدم لها خاطب، وكم من أخرى قصيرة وتسارع الخطاب إليها، فالأمور (أختنا) بيد الله وحده لا غيره.

سادسا: إننا ننصحك بالأمور التالية:
1- التقيد بما مضى من نصائح؛ لأنه سيدفعك إلى الاستقرار النفسي، وفي ذات الوقت يقوي تدينك.
2- نريدك أن تقرئي في الكتب التي تتحدث عن الثقة بالنفس، وللدكتور إبراهيم الفقي كتابات كثيرة ومحاضرات جيدة كلها موجودة على الشبكة العنكبوتية.
3- ابتعدي عن انتقاد نفسك، وابتعدي عن الفراغ، واجتهدي في أن تكوني متميزة في فرع من العلوم، مع الاجتهاد في التدين؛ فإن هذا طريق الاستقامة والنجاة من الهموم والغموم.

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات