السؤال
السلام عليكم.
أعاني منذ قرابة الستة أشهر من التوتر والقلق أثناء الصلاة، وهذا التوتر سببه أنني عانيت من وساوس أثناء الصلاة، والتي كانت شائعة، كنسيان ركعة.
بعد فترة -قبل الدراسة بأسبوع- أحسست أني لم أطمئن في السجود، فأعدته، وكان بداية وسواس الطمأنينة في الصلاة، أصبحت أحس أنني لا أطمئن في كل صلاتي، وأتوضأ وأصلي قرابة الساعة، لكن بفضل الله ثم معرفتي للأحكام الشرعية، تخلصت على الأقل من جزء من الوسواس.
أصبحت صلاتي كلها قلق في قلق؛ مما جعلني أرتجف بشكل شبه دائم في الصلاة، والذي أعتقد أن سببه القلق والتوتر، فلا يمكنني منع نفسي من أن أخاف في الصلاة، أصبحت الصلاة مركز توتر وقلق وتعذيب لي، مع أني صحيا لا أعاني من أي شيء.
أنا إنسان غير اجتماعي، غير ماهر في طريقة الكلام والتعبير عن الذات، يبدو على وجهي الحزن، أكره الحب والحنان من أهلي؛ لأني لا أطيق سماع أصواتهم، فهل لهذه المشاعر تأثيرات جعلت الصلاة علي صعبة، وأثرت على نفسيتي، فأشعر بالحزن الدائم بسببها؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مؤمل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرا فأنت مهتم بأمر الصلاة، ولا شك أن الصلاة هي عماد الدين، والوساوس قد تدخل الإنسان في نزاع حول العبادات -خاصة الصلاة-. أنت لديك قاعدة من القلق الوسواسي، والقلق الوسواسي جعلك تراقب نفسك في وقت أداء الصلاة؛ مما أصبح يؤدي إلى ارتفاع في درجة اليقظة لديك، ونتج عنه هذا التوتر والقلق الذي تحدثت عنه.
من الضروري جدا أن تدرك مقام الصلاة -هذا أمر مهم جدا- هذا المقام الرفيع، والعبد حين يتجه بكليته ووجدانه وأفكاره ومشاعره نحو الله تعالى، هذا قطعا يؤدي إلى زوال كل المنغصات الأخرى، فإذا الخشوع التام، خشوع القلب، لا شك أنه يؤدي إلى خشوع الجوارح، ولا شك في ذلك، فكن أكثر حرصا على أن تكون خاشعا في صلاتك، وأنصحك أن تصلي في المسجد مع الجماعة، هذا سوف يحمل عنك عبء التخوف من أنك سوف تزيد أو تنقص في صلاتك، أو أنك ستقع في شيء من النسيان أو السهو.
بصفة عامة: تحقير الأفكار الوسواسية -الحمد لله تعالى- أنت إلى حد كبير تخلصت من جزء كبير من الوساوس، لكن أريدك أن تسعى لمزيد من التجاهل لكل الأشياء السلبية، سيكون أيضا من الجيد لك أن تمارس تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة مهمة جدا ومفيدة جدا، إسلام ويب أعدت استشارة رقمها: (2136015)، أرجو أن ترجع إليها وتطبق التوجيهات والإرشادات التي وردت بها، وهي -إن شاء الله- مفيدة جدا.
وأيضا توجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء، هذه التمارين قطعا في نهاية الأمر سوف تخفف درجة القلق والتوتر لديك، أريدك أيضا أن تصرف تفكيرك ومشاعرك نحو أشياء أخرى، نحو دراستك، والحرص على تنظيم الوقت، الترفيه عن نفسك بما هو طيب وجميل، الحرص على بر الوالدين، الحرص على ممارسة الرياضة، هذه كلها آليات ممتازة، وإيجابية جدا لتقلل القلق والتوتر الذي تعاني منه.
النقطة الأخيرة هي: إذا كان بالإمكان أن تذهب وتقابل طبيبا نفسيا، أو حتى طبيب الأسرة، فهذا سوف يكون أمرا جيدا؛ لأنك تحتاج لدواء بسيط جدا، هنالك دواء يسمى فافرين، واسمه العلمي فلوفكسمين، يفيد جدا في مثل هذه الحالات، وتحتاج أن تتناوله بجرعة 50 مليجراما ليلا لمدة شهر، ثم تجعلها 100 مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم تنقصها إلى 50 مليجراما ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعل الجرعة 25 مليجراما، أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على 50 مليجراما، وتناول الـ 25 مليجراما يوميا لمدة شهر آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.
هو دواء سليم جدا وفاعل وغير إدماني، ومناسب لعمرك تماما، وتوجد أدوية أخرى، لكن أهم شيء هو التطبيقات السلوكية التي ذكرتها لك، والدواء يعتبر شيئا مكملا، ولا شك أنه في الذهاب إلى الطبيب أيضا سيكون له أثر مفيد جدا بالنسبة لك.
بالنسبة لموضوع أن وجهك يظهر عليه الحزن، وأنك شخص غير اجتماعي، وليس لديك مهارات، هذا -يا أخي الفاضل- شعور سلبي جدا، أرجو أن لا تتهم نفسك بذلك، فالله قد خلقك في أحسن تقويم، وحباك بكل المهارات، مهارات العقل، مهارات التفكير، فإن كان لديك نقص حقيقي في هذه الأشياء يمكنك أن تحسنه من خلال الممارسة، مثلا بالنسبة للوجه يجب أن يكون منبسطا، وتذكر أن الحديث الشريف يقول: "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
والإنسان أيضا يحسن لغته الجسدية حين يخاطب الآخرين، لا تحكم على نفسك أبدا بمشاعرك، إنما احكم على نفسك بإنجازاتك، والتواصل الاجتماعي مهم جدا، مثلا أن تمارس رياضة جماعية ككرة القدم، هذا يعتبر نوعا من التواصل الاجتماعي الممتاز، الصلاة مع الجماعة في المسجد، هذا أيضا تواصل اجتماعي عظيم، الانضمام للجمعيات المدرسية، والانخراط في الأنشطة المدرسية والاجتماعية، هذا ينمي الإنسان اجتماعيا.
فأهم شيء ألا تسيء إلى تقدير ذاتك، لا تحط من ذاتك أبدا، وفي ذات الوقت اسع لتطوير ذاتك، التأثير على الصلاة -أيها الفاضل الكريم- قد يكون القلق والحزن هذا عاملا سلبيا بالفعل، لكن يجب ألا نجعله منفذا لأن تستمر في عدم الخشوع في صلاتك، طبق ما ذكرته لك، و-إن شاء الله تعالى- سوف تجد نفسك قد تحسنت كثيرا.
أصبحت تحب الآخرين، وتتفاعل اجتماعيا بصورة إيجابية، وقولك أنك تكره حنان أهلك؛ لأنك لا تطيق سماع أصواتهم، هذا شعور يجب أن لا يكون جزءا من حياتك أبدا، الإنسان يرتاح لسماع صوت والديه، إخوانه، أخواته، فلا تقبل مثل هذا الشعور، ويجب أن تتساءل، يجب أن تسأل نفسك لماذا أنا هكذا؟ هذا شعور بغيض يجب أن أتخلص منه، يجب أن أحب أهلي، يجب أن أكون بارا بوالدي، يجب أن أكون صاحب علاقة ممتازة مع إخوتي، الإنسان يجب أن لا يقبل أي فكر أو شعور سلبي يأتيه، لا بد أن نقوم بعمليات تحليل لهذه المشاعر، لنضعها في المسار الصحيح.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
________________________________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي المستشار التربوي
________________________________________
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح الأحوال.
نحب أن نؤكد لك بداية: أن الإجابة الرائعة التي وصلتك من الدكتور محمد مفيدة جدا، وقد أجادك وأفادك كعادته، وهو من الشخصيات الكبيرة في هذا الجانب، أرجو أن تستفيد من إجابته، كما أرجو أن تجتهد في التقرب إلى الله -تبارك وتعالى- واعلم أن هم هذا العدو الشيطان هو أن يحزن أهل الإيمان.
وأنه إذا وجد في الإنسان حرصا على الكمال دخل إليه بهذا الباب، ولكن هذه الشريعة العظيمة علمتنا ترتيبات شرعية، وضوابط نغيظ بها عدونا الشيطان، إذا كان الشيطان حريصا على التشويش في صلاتك، والتخليط عليك فيها، فإن الشريعة تعلمنا أن نجبر ذلك بسجدتين نغيظ بهما الشيطان، والشيطان يحزن إذا تبنا، يندم إذا استغفرنا، لكنه يبكي إذا سجدنا لربنا، وكأننا نقول لعدونا إذا حاولت أن تخلط علينا في صلاتنا، فإننا سنعالج هذا الخلل بأن نضيف سجدتين، فيهما رضا للرحمن، وفيهما الإرغام لعدونا الشيطان.
وأعلم أن الأمر كما أشار الدكتور يحتاج منك إلى تجاهل لهذه الوساوس، فإنك إذا تجاوزتها فإن الشيطان ييأس ويتركك، وينتقل لأبواب أخرى، أيضا تقابله بنفس الإهمال وبنفس التجاهل، وعندها سيتوقف هذا العدو عن كيده. واعلم أن الفقيه أشد على الشيطان من ألف عابد، وننصحك بعدم تكرار أي شيء يطلب منك الشيطان إعادته، فحاول أن تغسل أعضاء الوضوء مرة مرة، مرتين مرتين، ثم تمضي بعد ذلك.
وتذكر أن الثلاث أيضا تجوز، لكن من زاد على ذلك، فقد أساء وتعدى وظلم، واحذر أن تستجيب لوساوس الشيطان؛ لأن هذا يجعل هذا العدو يتمادى، فعليك بمخالفة هذا العدو. وعليك أيضا بتطوير المهارات الاجتماعية، واعلم أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط ولا يصبر، والإنسان بحاجة لوالديه؛ لأنهم يحملون تجاهه مشاعر الحب، وكذلك إخوانه والأخوات، فنسأل الله أن يعينك على تجاوز هذه الصعاب.
والتزم بالتوجيهات الطبية، وأكثر من الدعاء واللجوء إلى الله -تبارك وتعالى- وعليك ببر الوالدين، واجتهد في اكتشاف ما وهبك الله من مواهب وقدرات، واشكر الله -تبارك وتعالى- عليها، وأشغل نفسك بالخير قبل أن يشغلك الشيطان بغيره، وتجنب الوحدة؛ لأن الشيطان مع الواحد، ونسأل الله أن يعينك على الخير.
ونوصيك بكثرة الذكر؛ فإن الشيطان لا يستطيع أن يقترب من إنسان ذاكر لله، وإذا جاءك بوساوس لا تليق، فاعلم أن ذلك دليل على عجزه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "أوجدتموه؟ ذاك صريح الإيمان"، والنبي -صلى الله عليه وسلم-أيضا قال: "الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة".
فنسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات والهداية.