السؤال
السلام عليكم.
كيف أمتنع عن مقارنة نفسي مع من تيسرت لهم أمور دنياهم، وفتحت لهم أبواب كل شيء من بيت وزوجة ومال من ناس أعرفهم، سواء أقرباء، زملاء دراسة، غيرهم، وخاصة المقصرين في حق الله.
جل ما أتمناه عملا صالحا، وزوجة صالحة؛ كي لا أقارن نفسي بأحد، ولا أحسد غيري، وبعد مدة طويلة حصلت على عمل براتب بسيط -والحمد لله-، وهذا خفف عني بعض الألم، لكن ما زال الألم موجودا.
أعلم أنه قد يكون استدراجا لهم، وأن علي أن أرضى بما قسمه الله لي، وأن علي اتباع قول الله عز وجل: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم)، لكن الشيطان والنفس والأخبار التي تلاحقني لا تنفك تذكرني بنفس الألم، حتى وأنا مشغول بشيء آخر، حتى أني حذفت برامج مواقع التواصل، حتى لا أسمع أخبارهم.
محترق من داخلي بفكرة أني غير متزوج، وكل يوم أدعو الله أن يرزقني الزوجة الصالحة، فما نصيحتكم؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يزن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرضينا وإياك بما قسم لنا.
وقد أدركت - أيها الحبيب - طريق النجاح والفلاح والسعادة، وهو عدم المقارنة بينك وبين من هم أفضل رزقا منك من متاع الحياة الدنيا، فإن هذه المقارنة لا تجلب للإنسان إلا الشقاء والتعاسة، بينما يكون منغمسا في نعم كثيرة لا يحس بها عندما يقارن نفسه بمن هو أكثر منه، والوصية النبوية لا تخفى عليك، أن من يريد المقارنة فينبغي أن يقارن بين نفسه وبين من هم أقل منه في شؤون الدنيا، فحينها تنفتح عينه وتدرك بصيرة قلبه نعم الله تعالى الكثيرة عليه، وقد قال سبحانه وتعالى: {وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها} [إبراهيم: 34].
فأنت غارق في نعم الله - أيها الحبيب - من نعمة العافية، إلى نعمة الأمن، إلى نعمة الرزق، إلى سلامة الأعضاء، إلى أمور كثيرة لا يمكن للإنسان أن يعدها فضلا عن أن يقوم بحقها من الشكر، فهذه المقارنة هي المقارنة التي تنفعك، فجاهد نفسك لكبح تطلعها؛ فإن النفس لا تشبع بشيء، ولا تظن أبدا أن من تراهم قد رزقوا، لا تظن أنهم سعداء، فإنهم يتطلعون أيضا إلى مطالب أخرى وأمنيات كثيرة ليست بأيديهم، فهذه طبيعة النفس البشرية، تتطلع دائما إلى المزيد، ما لم يكن الإنسان عاقلا وحازما ليفطمها، وإلا فإن هؤلاء الذين تظنهم أنت قد أعطوا فإنهم في حقيقة الأمر - أو كثير منهم على الأقل - يعيشون أنواعا من الحسرات والندامات، ويتمنون أشياء كثيرة ليست في أيديهم.
فالخير كل الخير في أن يقتنع الإنسان بما قدره الله تعالى له، والذي يعين على هذا الاقتناع أمور:
أولها: أن يدرك ويتيقن أن الله تعالى قد كتب مقادير كل شيء، فرزقك مكتوب قبل أن تخلق، وما قدره الله تعالى لك سيكون لا محالة، كما قال النبي (ﷺ): (جف القلم بما أنت لاق يا أبا هريرة) فلا يمكن للإنسان أن يغير هذا المكتوب، فإذا آمن بهذه العقيدة استراح، ولذلك قال الله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} [الحديد: 22-23]. فالإيمان بهذه العقيدة يخفف على الإنسان الأسى بما يصيبه من المصائب.
الأمر الثاني: أن يدرك الإنسان ويتيقن أن الله سبحانه وتعالى رحيم، وأنه لطيف بعباده، أي: يوصل إليهم الخير بطرق خفية، فما يدريك أنه سيبقى حالك على الاستقامة والخير إذا أعطاك الله تعالى ما تتمنى، ما يدريك أنك لن تبقى ولن تقع فيما حرم الله تعالى عليك، ولن يتسبب ذلك في دخولك إلى نار جهنم -والعياذ بالله-، فأنت لا تعلم شيئا من ذلك، الله تعالى عليم حكيم، وهو أرحم بك من نفسك، وقد قال سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].
ننصحك - أيها الحبيب - بأن تتفكر جيدا في هذه المعاني، وحينها ستدرك أنك في خير كثير وخير عميم، وهذا كله لا يعني عدم الأخذ بالأسباب المباحة المشروعة من السعي والرزق والأخذ بأسباب الخيرات التي نتمناها، لكن يكفينا فقط أن نأخذ بالسبب المباح شرعا، فإذا كان الله قد قدر لنا شيئا مما نتمنى سنصل إليه، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فاعلم أن الخير فيما اختاره الله تعالى لك.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقدر لنا ولك الخير حيث كان ويرضينا به.