السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا شاب بعمر ٢٥ سنة، ولدت في بيئة مضطربة، وأسرة غير متوافقة يكثر بها النزاعات والصراعات، والعزلة والانطوائية.
مشكلتي هي: أني أعاني من الاكتئاب الشديد والرهاب الاجتماعي، ومشكلتي بدأت منذ زمن طويل ولكن الآن مشكلتي مع الرهاب أرى أنها تخطت حاجز المرض، فلا أستطيع التحدث أمام الناس، أو النظر في أعينهم، فإذا زاد عدد الأشخاص أدخل في نوبة غريبة، حيث تزداد ضربات القلب، والتعرق بغزارة، وارتجاف الفك والرأس والقدم، بشكل مخجل، والتلعثم، ولا أستطيع السير أمام الناس بشكل منتظم، فتكون خطواتي مهزوزة؛ لأني أشعر أن الجميع يراقبني، وأتعمد أن أسلك طرقا طويلة لكي أقلل فرصة مقابلتي لأي شخص أعرفه.
قرأت كثيرا عن مرضي وأسبابه، ومارست علاجات سلوكية كثيرة، وبعض الأدوية العلاجية، مثل: (Sertraline) لمدة سنة كاملة، وأدوية (beta-blocker) قبل مواجهة المواقف الاجتماعية ولكن دون جدوى، بل على العكس فقد شعرت بتبلد في المشاعر، وعدم الاهتمام بالمسؤولية، حتى بعد التوقف عن الدواء لمدة أكثر من ١٩ شهرا.
كل هذا جعل الاكتئاب حادا منذ منتصف المرحلة الجامعية، ورغم أني متدين -ولله الحمد-، وأحرص على صلاتي، وتلاوة القرآن إلا أن الاكتئاب قد تمكن مني، وأكره أن أقول: إني أقبلت على الانتحار مرتين متباعدتين، ولكن فشلت! وقد ندمت كثيرا وتبت إلى الله، ولكني فاقد الشغف لأي شيء في الحياة.
أرجو منكم أن تقترحوا لي العلاج المناسب، علما بأني من المستحيل أن أذهب إلى طبيب نفسي سواء بسبب حالتي، أو بسبب بيئتي!
لكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الرهاب الاجتماعي منتشر جدا، وحالاته كثرت، وهذه الحالات معظمها متشابهة، لكن في بعض الأحيان نجد أن هناك اختلافات في كيفية التعبير عن هذه المخاوف، وكذلك شدتها وحدتها، ودرجة إطباقها، وشخصية الإنسان المصاب بالرهاب الاجتماعي، وكذلك الدافعية لديه من أجل التحسن تلعبان دورا رئيسيا في مآلات العلاج الذي يجب أن يتلقاه الإنسان.
أنا أؤكد لك أن هذه الحالة تعالج، وتعالج تماما، وليس هناك أبدا ما يدعوك للتفكير في الانتحار، وكما تفضلت الإنسان المسلم يجب ألا يعطي أي مجال لهذه الأفكار الشريرة، الحياة طيبة، والله يريد أن يخفف عنا، ويريد أن يتوب علينا، وقد قال في كتابه الكريم: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.
الموت والحياة بيد الله تعالى، وأنت شاب فيجب أن تعيش حياة إيجابية ونافعة وطيبة، وتتقي الله في نفسك وفي والديك، وتكون حريصا جدا على فعل كل ما هو صالح، وتسأل الله أن يوفقك وأن يسدد خطاك، هذه الطاقات النفسية والوجدانية، والجسدية العظيمة التي وهبك الله تعالى إياها يجب أن تستفيد منها بصورة أفضل.
الرهاب الاجتماعي هي أعراض -حقيقة- متضخمة ومبالغ فيها لدى الكثير من الناس، وهذه هي الإشكالية الرئيسية، مثلا: الشعور بالأعراض الجسدية؛ كالتعرق والخفقان، والارتجاف والتلعثم، واحمرار الوجه عند بعض الناس، هذه أعراض مبالغ فيها، هذه حقيقة يجب أن أؤكدها لك، وحتى إن وجدت، يشعر بها صاحبها فقط، وهي ليست مكشوفة لدى الآخرين.
قام أحد العلماء في الصحة النفسية بتصوير نحو 25 شخصا يعانون من الرهاب الاجتماعي، قام بتصويرهم بالفيديو دون علمهم وهم في مواقف كانوا فيها عرضة للمواجهات؛ كالأسواق، أو المطاعم، وخلافه، وبعد أن عرض عليهم هذه الفيديوهات جميعهم اقتنعوا أن الأعراض التي كانوا يتخوفون منها بالفعل مبالغ فيها، فالذي كان يظن أنه كان يتلعثم ظهر في الفيديو يتكلم بصورة معقولة جدا، والذي كان يعتقد أنه يرتجف لم تظهر عليه أي أعراض رجفة.
هذه المشاعر نعم مشاعر داخلية سخيفة، نحن نقتنع بذلك، لكنها متضخمة ومتجسمة، ولذا أرى أن أول خطوات العلاج هو أن يفهم الإنسان هذه الحقيقة.
الأمر الآخر: أن هذه المخاوف هي مكتسبة، لم تولد معك، وليست من الفطرة، إنما هي مكتسبة ربما لتجارب سلبية سابقة -كما تفضلت- أنت نشأت في أسرة كريمة، ولكن كان فيها بعض النزاعات والصراعات، وهذا ربما يكون لم يساعدك على تنمية شخصيتك بصورة تربوية صحيحة في ذلك الوقت، لكن أنا أقول لك: الإنسان يجب ألا يعيش في ضعف الماضي، إنما يعيش في قوة الحاضر، الحاضر أقوى دائما؛ لأننا نستطيع أن نتحكم فيه، نستطيع أن نفصله كما نريد، نستطيع أن ننجز فيه، نستطيع أن نكون مفيدين لأنفسنا ولغيرنا، وأن نطور ذواتنا.
أيها الفاضل الكريم: ابدأ الآن وبقوة في تحقير هذه المخاوف، وعليك أن تدخل في برامج جادة تعتمد على التحقير للخوف والمواجهة، وأفضل المواجهات هي المواجهات الجماعية ذات الطابع المسالم، الطابع الذي يبعث على الطمأنينة.
مثلا: الصلاة مع الجماعة في المسجد، وأن يتدرج الإنسان ما بين الصفوف حتى يصل للصف الأول ويكون خلف الإمام؛ هذا نوع من التعريض العظيم، التعريض الإيجابي والفاعل جدا، وهو -والحمد لله تعالى- متوفر في بلداننا؛ فأنا أنصحك بالصلاة مع الجماعة، وحين تدخل المسجد، وتقرأ دعاء الدخول للمسجد؛ سوف تحس بالطمأنينة، لا شك في ذلك، هذا مكان آمن، هذا مكان تحفه الملائكة والرحمة.
هذه خطوة علاجية أولى: التحقير، التجاهل، والتنفير الذاتي من الخوف، وأنا شرحت لك أن هذا الخوف مبالغ فيه، هذه المفاهيم يجب أن تثبتها، وتجعلها خطوات علاجية مهمة لك.
الأمر الآخر هو: ممارسة رياضة جماعية مثل: كرة القدم، والانضمام للجمعيات الخيرية، والاجتماعية، أو الدينية أو الدعوية، هذه كلها فيها خير كثير جدا، وتجعلك تنصهر وتندمج مع بقية الناس.
أخي الكريم: هذه هي الخطوات العلاجية الرئيسية، ولا تساوم نفسك أبدا في موضوع الخوف هذا، تحقره، وتقتحم دون أي تردد.
تطبيق تمارين الاسترخاء خاصة تمارين التنفس المتدرجة (2136015) سوف تكون مفيدة جدا لك، وأرجو أن تطلع على كيفية تطبيق هذه التمارين على الإنترنت، أو يمكنك أن تتواصل مع أخصائي نفسي ليدربك عليها.
بقي أن نتكلم في العلاج الدوائي: الـ(سيرترالين) دواء جيد، وأنت لم تستفد منه لأنك لم تطبق معه تطبيقات سلوكية جادة، والآن أنا أقترح عليك تناول عقار (سيروكسات) والذي يعرف علميا باسم (باروكستين) دواء رائع جدا لعلاج الخوف الاجتماعي.
هنالك نوع من الباروكستين يعرف باسم (باروكستين CR) هو أفضل، وأقل آثارا جانبية، تبدأ في تناوله بجرعة 12,5 مليجرام يوميا، لمدة أسبوعين، ثم تجعلها 25 مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم 37,5 مليجرام يوميا، وهذه جرعة كافية بالنسبة لك، تستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى 25 مليجرام يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 12,5 مليجرام يوميا لمدة شهرين، ثم 12,5 مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الباروكستين، دواء رائع وسليم، ومفيد جدا.
أرجو - أيها الأخ الكريم - أن تأخذ هذه الإرشادات السلوكية، وتتناول الدواء بالصورة الموصوفة، وإن شاء الله تعالى وفي هذه الأيام المباركة ونحن في موسم الخيرات؛ أدعو الله تعالى بالشفاء والعافية والتوفيق والسداد.
وللفائدة راجع الاستشارات المرتبطة: (2407088 - 2286299 - 2416172 - 288014 - 237889 - 241190).
أشكرك على الثقة في إسلام ويب، وتقبل الله منا ومنكم الطاعات.