الحكمة من الابتلاءات والرهق الذي يصيب المريض

0 8

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا مصابة باضطراب ثنائي القطب النوع الأول، ولكن الآن قلت الأعراض -ولله الحمد-، ولم يعد المرض مسيطرا علي، وسؤالي عن الفترة التي أصبت فيها بالذهان والانفصال عن الواقع، كانت تأتيني تلك الفترة بأفكار: أن أهلي من الكفار، ويريدون إيذائي، وأنه يجب علي مواجهتهم ونصرة ديني!

سؤالي: هل يوجد حكمة من تسيير الأمور في هذه الفترة بهذا الشكل، غير أن يرفعني الله بمرضي، ويكفر عن سيئاتي؟

لا أسأل عن ماهية هذه الحكمة، لكني تعبت في هذه الفترة بشكل بالغ الصعوبة؛ نتيجة فقداني لعقلي وتفكيري بهذه الطريقة، ولا أحد يدري ذلك، فهل حكمته فقط أن يكفر عن سيئاتي؟

وأنا أيضا أطمع في أن يكرمني الله بثواب أكثر من المعافاة من هذا المرض.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حبيبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الاضطراب الوجداني ثنائي القطب يمكن الآن علاجه، وعلاجه بصورة فعالة جدا، ويعتمد في المقام الأول على الشخص الذي يعاني من هذه العلة؛ بالتزامه بالعلاج، والمتابعة مع الطبيب.

فنصيحتي لك: أن تكوني حريصة جدا على المتابعة، وعلى الالتزام بتناول أدويتك كما هو موصوف، وأن تعيشي حياتك بصورة طبيعية، وأنا أؤكد لك أن اختفاء الانتكاسات بصورة كلية أمر ممكن جدا، وهو القصد من العلاج، أو يجب أن يكون مآل العلاج هكذا، والضروري هو كما ذكرت لك الالتزام بالعلاج، هذا أمر مهم جدا.

بالنسبة لاستفسارك حول الفترة التي انتابك فيها الذهان والانفصال عن الواقع وما الحكمة منها؟
الأمراض من الابتلاءات ولا شك في ذلك، والمؤمن والمسلم يعتقد أنها فعلا ابتلاء، وفي ذات الوقت يكون لنا الإصرار على البحث عن العلاج، أعتقد هنا نكون قد أوفينا الجانب الشرعي في كيفية التعامل مع المرض؛ حيث أنه (ما جعل الله من داء إلا جعل له دواء، فتداووا عباد الله).

فإذا هنالك ابتلاء، وهنالك ما يرفع هذا الابتلاء -وإن شاء الله تعالى كما ذكرت - أن هذا أيضا خير للإنسان، أن تكفر به السيئات، وكل ذلك طبعا وارد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

أنا أعتقد أن قناعاتك قناعات إيجابية فيما يتعلق بحالتك، لكن لا أريد أبدا أن تهيمن عليك أفكار وسواسية ذات طابع فلسفي حول المرض، ولماذا أتى؟ وما الحكمة منه؟ أنا لا أريد أن أحجر على فكرك، لكن قطعا الدخول في هذه المنظومات الوسواسية من التفكير لا يساعد الإنسان على التعافي، ولا على أن يعيش حياة نفسية صحية سليمة.

أرجو إذا أن تلتزمي ببرامجك العلاجية، الأدوية موجودة وفعالة جدا، وفترة الوقاية نعتبرها فترة مهمة وضرورية جدا، والهدف منها والغاية منها - كما ذكرت لك - هو ألا تحدث لك أي انتكاسات، وهذا ممكن جدا بفضل الله تعالى.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
____________________________________
انتهت إجابة الدكتور / محمد عبد العليم مستشار الطب النفسي وطب الإدمان.
ويليها إجابة الدكتور/ أحمد الفرجابي المستشار التربوي
____________________________________

مرحبا بك - بنتنا الفاضلة - في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يكتب لك تمام العافية، وأن يكتب لك الأجر والثواب والرفعة عنده، وعجبا ‌لأمر ‌المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا.

ونحب أن نبين لك أن البلاء سبب لكفارة الذنوب، والرفعة عند علام الغيوب سبحانه وتعالى، وأن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل، وأن الإنسان يبتلى على قدر دينه، فاحمدي الله تبارك وتعالى على ما أولاك من النعم، واشكري الله تبارك وتعالى الذي أعانك حتى تواصلت مع موقعك، وأوصلك إلى هذا الفهم الجميل الرائع، الذي نرجو أن يحول إلى ممارسة.

لكن لا نريد أن تشغلي نفسك بماذا وبكيف؟ لأن هذا قد يفتح عليك أبوابا ليس فيها المصلحة، والمؤمن ما ينبغي أن يقول: (لو كان كذا لكان كذا) ولا يقول: (لو فعلت كذا لحصل كذا) ولكن عليه أن يقول: (قدر الله وما شاء فعل)، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان. وهذا دليل على أن الإسلام يريد أن نكون إيجابيين في فهمنا للمرض وفي تعاملنا معه، وفي تجاوزنا للصعاب، هكذا ينبغي أن يكون أهل الإيمان، وهذا مما يعيننا على طاعة ربنا تبارك وتعالى، ومما يحقق لنا السعادة في هذه الدنيا.

واعلمي أن المرض قدر من الله تبارك وتعالى، كما أن العلاج والدواء والانتظام فيه والصبر؛ هذه كلها من أقدار الله، والفقيهة هي التي تواجه أقدار الله بأقدار الله تبارك وتعالى، فلا تفكري في المرض، واستمعي لتوجيهات الدكتور محمد، وهو من القمم الكبيرة في هذا الجانب، جانب الطب النفسي، وأيضا كلما حاول الشيطان أن يحبطك ويذكرك بأشياء محزنة تعوذي بالله من شره، واذكري الله تبارك وتعالى حتى يهرب عنك الشيطان.

واحرصي دائما على كثرة الدعاء لنفسك، والدعاء لإخوانك وأخواتك، وأشغلي نفسك بالخير والطاعات، وتقربي إلى رب الأرض والسماوات، وانتظمي في تناول الأدوية كما وجه بذلك الأطباء، واعلمي أنك في خير وعلى خير، وأن بلوغ العافية التامة ممكن، فساعدي نفسك، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك ويسدد خطاك.

مواد ذات صلة

الاستشارات