السؤال
السلام عليكم
عانيت ولا أزال مع ابني الأوسط بعمر 14 سنة، من طبعه الحاد والعنيد منذ كان صغيرا جدا.
صبرت كثيرا على عناده وسعيه لتحقيق ما يريد، وقت ما يريد بواسطة الابتزاز، واختيار أوقات وظروف معينة لإحراجي وإجباري على الخنوع.
كسر هاتفه واضطررت لإصلاحه حتى لا ينفذ امتناعه عن الذهاب للمدرسة، وبعد مدة تعطل من جديد هاتفه لكنني صممت على عدم الرضوخ له هذه المرة، خصوصا بعد امتناعه عن الدراسة لمدة أسبوع، واشترطت عليه النجاح نهاية السنة للحصول على هاتف جديد.
لم يمر وقت طويل حتى عاد لعناده وتسلطه، وتهديده بالقيام بالكسر والتدريب إن لم يحصل على الهاتف، وهو الآن منقطع عن الدرس منذ أسبوعين، ولا تزال عملية شد الحبل بيني وبينه، وأخاف أن أفقد أعصابي وأرتكب جريمة لا قدر الله.
لم ينفعني ما تعلمته من تجربتي كمرب معروف للأسف، فما العمل جزاكم الله خيرا؟
هل أسايره كي لا يضيع أم أشد عليه مع ما قد يستتبع ذلك من طرده من الدراسة وضياعه، وربما يرتكب من الأفعال ما قد أندم عليه؟
أرشدوا مربيا نجح مع الغريب وفشل مع القريب.
والله المستعان.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ لحسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أستاذنا الكبير- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقر عينك بصلاح هذا الابن، وأن يعوضك خيرا وأنت تسعى في صلاح أبناء المسلمين، ونسأل الله أن يهدي ابننا لأحسن الأخلاق والأعمال فإنه لا يهدي إلى أحسنها إلا هو.
لا يخفى على أمثالك من الفضلاء أن الإنسان قد يكون مربيا ناجحا مع الآخرين وغير ناجح مع أبنائه، لكن إخلاصنا في تربية الآخرين، وحسن التعامل معهم يعود بالخير والفائدة لأبنائنا الذين نسأل الله تبارك وتعالى أن يصلحهم.
ولا يخفى على أمثالك من الفضلاء أيضا: أن مرحلة المراهقة تحتاج إلى نمط معين من التعامل، وابننا ما زال في مرحلة المراهقة المبكرة، وليس معنى هذا أنه صغير، ولكننا في زمان وجدت فيه إشكالات كبيرة في التربية لأننا لسنا وحدنا في الميدان.
بدأ الأبناء يتأثرون بهذا الطوفان العالمي عبر مواقع التواصل، وأيضا جاءت إلينا أمراض المراهقة العابرة للقارات، وتضخيم هذه المرحلة، حتى خيل للشباب أنه لن يكون طبيعيا إلا إذا تجاوز الحدود وزاد من عناده.
وعليه نحن نوصيك أولا: بالدعاء له، ثانيا: نوصيك بأن تكون لك خطة موحدة مع والدته؛ لأن عدم وجود خطة موحدة من أخطر ما يمكن أن يؤثر على المراهق، كذلك أيضا ينبغي الجلوس معه والحوار، والاستماع لما عنده، وعند ذلك لا مانع من عقد اتفاقية بين المربي والمتربي.
هذه تربوية أخذت من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين نهاهم عن الجلوس في الطرقات، فقالوا: ما لنا من مجالسنا بد، قال: فإن أبيت إلا الطريق فأعطوا الطريق حقها، ثم بين لهم ما يجب عليهم، وفي مثل هذه الأحوال لا مانع من الدخول في اتفاقيات تربوية واضحة، ومع أن الواجبات لا مساومة عليها، ولكن من أجل تحسين التواصل المدرسي والوقوف معه حتى يتجاوز هذه الصعاب ينبغي أن يكون هناك عنده نوع من المرونة المتفق عليها، وفق خطة تديرها مع والدته، ولا مانع أيضا أن تشرك مربين من الأساتذة ليؤثروا عليه؛ فإن التوجيه الخارجي يصلح مع هذه المرحلة.
نوصيك أيضا بتضخيم ما عنده من الإيجابيات والتركيز عليها، والثناء على أي عمل إيجابي يقوم به، ومدح الحسنات والتركيز عليها، لأن التركيز على الإيجابيات تزيدها، كما أن التركيز على السلبيات وتضخيم السلبيات يزيد أيضا من هذه السلبيات.
وكذلك أيضا نتمنى أن تستمع إليه، تحسن الاستماع إليه، وتعرف وجهة نظره، وتحاوره على أنه إنسان كبير ومن المصلحة أن نحمله بعض المسؤوليات، وإذا كان هناك طريقة تربى عليها مثلا عاش مرحلة كان فيها دلال ثم أردتم الآن أن تشدوا عليه بعد وصوله لهذه المرحلة، فهذا قد يحتاج إلى وقت طويل؛ ولذلك أرجو أن يكون هناك تدرج، وأيضا علينا أن نعرف نفسية المراهق، كيف يتلقى التعليمات والأوامر، فلا تصلح الأوامر المعلبة، ولكن يصلح الأمر الذي فيه حوار وإقناع، والحوار بالصواب وذكر الصواب حتى لو لم يلتزم به المراهق أمامنا، فإن الدراسات تقول: المراهق ينتفع من هذا الحوار، بل هو يتبنى في الخارج القناعات التي يرفضها في الداخل.
وإذا أردنا أن نحاور فعلينا أن نختار الوقت المناسب والألفاظ المناسبة، ونقدره ونحترم الإيجابيات التي فيها ونركز عليها، ونسأل الله أن يعينكم على تجاوز هذا الموقف، ونحن لا نؤيد مسألة العنف والضرب؛ لأن هذا سيزيده نفورا وهو في هذه المرحلة العمرية، ونسأل الله أن يصلح لنا ولكم النية والذرية.
وبالله التوفيق.