السؤال
السلام عليكم
أنا طالبة طب في سنتي الثانية، كان حلما منذ الصغر أن أكون سببا في إراحة المرضى من آلامهم، وازداد تعلقي بهذه المهنة العظيمة بعد أن أصبت وعائلتي بفيروس كورونا، ولم نجد من يسعفنا وقتها، فأخذت على عاتقي مهمة حماية صحة أسرتي، ومنها صحة المسلمين؛ فشعور عدم القدرة على مساعدة مريض يتألم بجانبك أرهقني، وأريد بدراستي الطب أن أتجنب هذا الشعور، كما أني أكره الذهاب إلى طبيب رجل، ومن نواياي إبعاد هذا الشعور عن أخواتي أيضا.
ولكن ومنذ ظهرت نتائج الثانوية، وقبل أن أقدم طلب الالتحاق بكلية الطب، سؤال واحد كان دائما ما يثبط عزيمتي ويخيفني من هذه المهنة -وهي الأمومة- فأنا أتمنى أن أكون أما صالحة تنفع بتربية أبنائها الأمة، فأخاف أن يعوقني العمل عن تحقيق مرادي، فثمان ساعات يوميا أترك أولادي للمربيات بعيدا عن حنان أمهم شيء لطالما أعبته؛ فالأمهات العاملات اللاتي أعرفهن، ولا أريد أن أكون مثلهن، سألت وبحثت عن جواب بعض الطبيبات وقلن إن الموضوع بخير ما دام هناك تنظيم للوقت بين العمل والأسرة ولكني لم أقتنع! فقد اعتدت منذ صغري على وجود أمي حولي طوال اليوم، ترعاني، وتعتني بي، وكذا أريد أن أكون مع أطفالي في كل خطواتهم حتى يبلغوا الرشد!
يمكنني أن أستقيل من عملي عندما يرزقني الله بأولاد، ولكني أخاف حينها أن تبقى في قلبي حسرة وندامة على كل السنين التي أضعتها، وحرمت نفسي من أشياء أحبها، وكم الأموال التي صرفتها؛ فأفضل العمل على الأولاد.
فانصحوني -يرحمكم الله- فقد تهت ولم أعد أعرف عين الصواب!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيكاي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك - ابنتنا الفاضلة - في الموقع، ونشكر لك المشاعر النبيلة التي دفعتك لدراسة الطب، وبناتنا وأخواتنا بحاجة إلى طبيبات طاهرات حريصات على النفع، نسأل الله أن ينفع بك بلاده والعباد.
نحن نرى أن تمضي في هذه النية، وتجتهدي في تعلم الطب، وقبل الطب تمسكي بآداب هذا الشرع، حجابك وآداب هذا الدين العظيم؛ لأنا نستفيد من الطبيبة الملتزمة بقواعد وضوابط الشرع الذي شرفنا الله -تبارك وتعالى به- ونحب أن نؤكد أن من الطبيبات ناجحات، والتي تريد أن تنجح تستعين بالله، تنظم وقتها، وتقوم بما عليها، وتستطيع أن تنجح في ذلك، فليس العبرة بمقدار الوقت الذي تقضيه الأم مع أبنائها، ولكن بنوعية الوقت، وبالمهارات التي تكتسبها الأم كالمهارات التربوية، فنسأل الله أن يعينك على الجمع بين الحسنيين.
واعلمي أن كثيرا من الطبيبات الناجحات تتوقف سنوات، وتتجاوز بعض الصعوبات التربوية، ثم تعود إلى وظيفتها ومهامها، بل إذا كانت الطبيبة من الكفاءة العلمية، وتخصصت في تخصص مهم فإنها تستطيع بعد ذلك أن تشترط على المؤسسات الطبية أن يكون عملها لساعات محددة، وهذا نمط وجد، وأعرف نماذج من هذا، من طبيبات تخصصن تخصصات دقيقة، ثم تصبح بعد ذلك المستشفى هو الذي يطلبها عند الحاجة، أو يطلبها كخبيرة، أو يرسل لها الاستشارات لترد عليها.
فالعمل في هذا الميدان ونفع الناس ميدانه واسع، والإنسان يستطيع أن يتوقف، وهناك ما يسمى بإجازة الأمومة، وإجازة التربية، والإجازات التي تأخذها الأم إذا أرادت، يعني أيضا مسألة خدمة الناس قبل الزواج، وخدمة الناس بعد التوقف، وبعد ذهاب الأبناء جميعا إلى مراحل التعليم.
فأرجو ألا تتوقفي عن دراسة هذه المهنة وأنت تحملين مثل هذه المشاعر النبيلة والرغبة في الخير، والرغبة في النفع، فنسأل الله أن يعينك على التوفيق بين خدمة الناس وبين النجاح التربوي، والقيام بواجباتك تجاه أطفالك، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.