السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبلغ من العمر 40 سنة، متزوج وعندي أطفال -الحمد لله- وحياتي الزوجية مستقرة.
منذ طفولتي وأنا أتحمل مسؤوليات أكبر من سني، وتعرضت للكثير من الضغوط في حياتي؛ وبسبب كثرة الضغوط أصبحت أخشى مصاعب الحياة، وأخاف من المستقبل والأمراض، ولو سمعت عن إصابة أي شخص بمرض خبيث أخاف منه -عافانا الله وإياكم- ولا أريد سماع أي شيء عن المرض والموت.
قبل سنتين في إحدى الأيام شعرت بتنميل وحرقان جسمي، وفي كل مرة ينتقل من مكان إلى آخر، وأعاني من الألم في الكتف والرقبة والظهر، وتنميل اليدين، وبرودة القدمين، ووخز شديد وآلام المعدة، وتشنجات وتنميل فروة الرأس، وأحيانا في العينين واللسان والشفتين، مع ازدياد تسارع النبضات والتعرق، وعدم انتظام ضغط الدم، فلا أستطيع النوم، وأستيقظ بهلع مع نقص الأكسجين، وكل الأعراض كانت تأتي لساعات وتختفي وتعود من جديد.
قررت الذهاب إلى المستشفى لإجراء الفحوصات والتحاليل، وجميع التحاليل ونتائج الرنين المغناطيسي للرأس، والظهر، وتخطيط وإيكو القلب، ومنظار المعدة، والقولون سليمة -الحمد لله-؛ فطلب طبيب الباطنية عرض نفسي على طبيب الأمراض النفسية... كلامه غير منطقي، فما دخل أعراضي مع المرض النفسي؟!
سؤالي: هل الأعراض التي ذكرتها لكم سببها الأمراض النفسية؛ طالما لا يوجد مرض عضوي واضح؟ علما بأني ذهبت بعد ذلك لطبيب الأمراض النفسية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
طبعا بصفة عامة النفس والجسد لا ينفصلان، والنفس حقيقة مهماتها كبيرة، وهنالك تعقيد حتى في تعريفها، لكن خلاصة الأمر أن أجسادنا تتلقى أوامرها من الدماغ، وما يأتيها من الدماغ تنفذه بصورة دقيقة جدا، الذي يسيطر عليه القلق والخوف من المرض، والحرص الشديد على صحته، وإن كان لا يدرك ذلك يقينا، إلا أنه قطعا دماغه سوف يرسل إشارات إلى جسده لتظهر منه بعض الأعراض العضوية، وهذه هي العلاقة.
لذلك نحن دائما نعطي مثالا بسيطا جدا، وهو: أن النفس حين تقلق تتوتر، وهذا التوتر يتحول إلى توتر عضوي، إلى توتر عضلي؛ لذا تجد من يشتكي مما يسمى بالقولون العصبي -وهو القولون العصابي أي القلقي-، لكن الإنسان يحس بألم، أو بغازات وانتفاخ، وهكذا، كذلك الأمر في الصدر، يأتي من يشتكي فيقول: أنا أحس بكتمة شديدة في صدري، أنا أحس بوخزات في الصدر، وهكذا، هذه ناتجة من القلق ومن الخوف، التوتر النفسي تحول إلى توتر عضلي، وأدى إلى هذا الشعور الجسدي العضوي.
وأقول لك: هنالك دراسات أشارت إلى أن خمسين بالمائة (50%) من الذين يذهبون إلى عيادات العظام، ويشتكون من ألم في أسفل الظهر، ويقومون بكل الفحوصات التي تشمل الرنين المغناطيسي؛ حقيقة الأمر ليس لديهم أي مرض عضوي، لا في الفقرات، ولا في الغضروف، إنما هو مجرد انشدادات عضلية ناتجة من قلق نفسي، أو اكتئاب نفسي، أو شيء من هذا القبيل.
فالإنسان قد لا يحس بعرض نفسي؛ لأنه في بعض الأحيان يتحول إلى عرض جسدي، وأنت أعطيت أمثلة ممتازة، كما تفضلت ألم أحيانا في الأكتاف، وأحيانا في الظهر، وهكذا، والتنميل، والشعور بالبرودة، عرض نفس جسدي معروف جدا، تشنجات المعدة والقولون العصبي، تنميل في فروة الرأس... حالتك هذه متماهية تماما مع ما نسميه بالأعراض النفس جسدية.
فيا أخي الكريم: أنت لست مريضا نفسيا، هذه أؤكدها لك، لكن هذه الظواهر النفسية أيضا مهمة، وهذا الذي تعاني منه، والطبيب الباطني حين ذكر لك أن تذهب إلى طبيب أمراض نفسية؛ أعتقد كان قصده أن حالتك يلعب فيها العامل النفسي دورا كبيرا، حتى وإن كنت لا تحس بهذا الدور النفسي، حتى وإن كنت في موقف أسعد الناس، حياتك طيبة جميلة لا مشاكل فيها.
فأرجو أن تتفهم هذا التفسير، وأنا أقول لك لتساعد نفسك -وأنت الحمد لله ذهبت إلى طبيب أمراض نفسية- أنا أقول لك: بأن أهم علاج هو نمط الحياة، وليست الأدوية، الأدوية تساعد وسوف أحدثك عنها، لكن إذا تجنبت السهر، إذا أحسنت في تحسين إدارة وقتك، إذا تجنبت النوم النهاري، التزمت بغذائك، مارست الرياضة بانتظام، إذا التزمت بكل واجباتك الدينية خاصة الصلاة على وقتها، إذا التزمت بالواجبات الاجتماعية، إذا رفهت عن نفسك، إذا طورت نفسك مهنيا... هذه وأشياء أخرى كثيرة في مجملها هي التي تطور صحتك النفسية، -وإن شاء الله تعالى- تزيل عنك كل هذه الأعراض الجسدية.
ومن المهم أيضا أن يكون لك فحص دوري مع طبيب تثق فيه، مثلا طبيب الباطنية، أو طبيب الأسرة في المركز الصحي، تذهب لمقابلته مرة كل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، وتقوم بالتأكيد من مستوى الضغط والنبض، ويجري لك فحوصات بسيطة في الدم، للتأكد من نسبة الدم، والدم الأبيض، والسكر، والدهنيات، ووظائف الكبد، ووظائف الكلى، والأملاح، وهذه تكفي تماما، فإذا المنظومة الصحية التي تتطلبها حياتك يجب أن تكون على هذه الشاكلة.
أما بالنسبة للأدوية فلا مانع، أنا من تجاربي أن عقار (دوجماتيل)، والذي يسمى علميا (سولبيريد) مفيد جدا للأعراض النفس جسدية، مثلا يمكنك أن تتناوله بجرعة 50 مليجراما صباحا ومساء لمدة شهر، ثم 50 مليجراما صباحا لمدة شهرين، ثم تتوقف عن تناوله، يضاف له مثلا عقار (سيبرالكس) أو (زولفت) بجرعة صغيرة.
وقطعا الطبيب النفسي يكون قد أرشدك وأعطاك توجيهات إيجابية، وربما وصف لك دواء، وأتمنى أن تكون مساهمتي هذه أيضا مساهمة إيجابية تساعد في تطور صحتك الجسدية والنفسية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا على ثقتك في إسلام ويب.