حياتي في الغربة جعلتني أنفر من مخالطة الناس، فما النصيحة؟

0 18

السؤال

أنا فتى أدرس في المتوسطة، تربيت في الغربة، في بلد يلزمون اللاجئين فيه بالإقامة، وعشت معزولا غير اجتماعي؛ بسبب الخوف من الخروج خشية الترحيل، لفقر العائلة.

عندما عدت لوطني بعد سنين، ومرت الآن سنوات، بدأت ألاحظ بعد إعراض طويل طريقتي السيئة في الكلام، كأني أتكلم كالطفل، وأتصرف كالمشاغب الذي كلامه غير موزون، مع أني جدي في وقت الجد.

بدأت أكره نفسي؛ ولأني اخترت أن أكون منعزلا، أريد أن أسكت عن جميع الناس، ولا أكلم الناس، وأكون قليل الكلام، لكني أستاء ليل نهار عندما أحاول وأفشل، حتى إني قد كرهت فصلي بسبب كثرة فوضى بعض الطلاب.

أريد ألا أتكلم مع الناس، ولا أحشر أنفي في كل شيء؛ ليس لأني لا أهتم بالناس، بل لأني لم أعد أبالي بأحد، فيا ليت لو كان كلامي موزونا وطبيعيا، بل حتى عندما أكون مرسلا هذه الرسالة، أجد فيها ما يشعل غضبي، فأعتذر!

ملخص مشاكلي: أود الانعزال، فلا نفع من طريقة كلامي وأريد تغييرها، وأريد أن أكون طويل الصمت، وأقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم.

أريد الاستغناء عن الناس، ولا أبالي بهم أبدا، وأريد معرفة قول الشرع في هذا الباب، وما نصائحه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، وحسن العرض للسؤال يدل على أنك ستتجاوز هذه الصعاب، وأن العزلة رغم الشر الذي حصل فيها، كانت عزلة إجبارية كما أشرت، إلا أن أثرها سيزول بمزيد من الخلطة والمحاورة، وندعوك إلى أن تختار الصالحين من الزملاء.

لأن الإنسان إذا وضع نفسه مع رفقة صالحة تذكره بالله إذا نسي، وتعينه على طاعة الله إذا ذكر، كما نرجو ألا تحقر نفسك وتعظم الآخرين، فما من إنسان إلا وفيه نقص في طريقة كلامه، وطريقة مشيه أو طريقة أكله أو طريقة نومه، فالكمال لله وحده، والإنسان ينبغي أن يكتشف ما عنده من إيجابيات ثم ينميها، ويكتشف ما عنده من سلبيات ثم يجتهد في تطوير المهارات، التي تعينه على علاجها وتجاوزها.

الإنسان يستطيع أن يغير طريقة كلامه، وطريقة مشيه، وطريقة حياته، كل هذا يتغير، لكنك تحتاج إلى بعض الوقت، فلا تنزعج، واعلم أن من سار على الدرب وصل، واعلم أن الصمت مطلوب في مكانه، لكن في المكان الذي يصلح أن تتكلم فيه، فتكلم بالخير. وإذا كنت -ولله الحمد- وسط الطلاب فاعلم أن بعض المزح والكلام، الذي يحدث في المواقف والمشاغبات تبدو بعد ذلك ذكريات، ولكن الإنسان في كل ذلك ينبغي أن يتجنب الأذى للآخرين أو الإساءة لهم، أو إساءة الأدب مع المعلم.

لكن ما يحدث بعد ذلك من المشاغبات اللطيفة، ستصبح بعد ذلك ذكريات، والاستغناء عن الناس قد يصعب معه على الإنسان أن يستغني عن الناس، ولكن يستغني عن شرارهم (اللهم أغننا عن شرار خلقك)؛ لأن الناس للناس من بدو وحاضرة بعضهم لبعض وإن لم يشعروا خدم، فالله خلق الإنسان هذا الكائن اجتماعيا لكي يسعد مع الناس؛ ولذلك السجن عقوبة؛ ولذلك عانيت لما كان هناك عزلة؛ لأن الإنسان لو وضع له أفخم طعام وأكثر شراب وعزل من الناس، فإنه لا يستطيع أن يسعد.

الإنسان مدني بطبعه، ولكن من المهم أن تتحكم أنت في نوع العلاقة، ودرجة العلاقة، واختيار من تصادقهم، هذا هو الذي يضمن لك النجاح في هذا الأمر، والشرع حريص جدا على أن يحرص الإنسان على أن يقول خيرا، يفعل خيرا، ويتجنب ما لا يعنيه، فإن (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، فلا تحشر أنفك كما أشرت في ما لا يعنيك.

النصائح التي ندعوك إلى الاهتمام بها هي:
أولا: الاستعانة بالله تعالى بكثرة دعائه واللجوء إليه.
ثانيا: تلاوة القرآن الكريم؛ فإنه يؤثر ويصحح اللسان.
ثالثا: حضور مجالس العلم والاستماع للعلماء.
رابعا: انتخاب رفقة صالحة لتكون معك تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك على طاعة الله إن ذكرت.
خامسا: اكتشاف ما عندك من مهارات وتنميتها.

نسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولك التوفيق والسداد، ونكرر ثقتنا بأنك ستتجاوز هذه الصعاب بتوفيق من الكريم الوهاب سبحانه وتعالى.

مواد ذات صلة

الاستشارات