السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البداية تستحقون كل الإشادة والشكر على جهودكم التي تبذلونها في هذا المكان الجميل، ثم آسف مسبقا على الإطالة في عرض مشكلتي:
أنا شاب في الثالثة والعشرين من عمري، أعاني من الرهاب الاجتماعي من طفولتي، ودرجة الرهاب لدي شديدة جدا، ذهبت قبل ما يقرب العام إلى عيادة أحد الأطباء النفسيين فوصف لي في البداية زيروكسات وتفرانيل، وعدت بعد أسبوعين إلى العيادة فأضاف الطبيب الأروركس لأنني لم أتحسن.
وبعد أن أخذت الثلاثة الأدوية مجتمعة تحسنت بشكل ملحوظ، وإن كنت في بعض المواقف لم أتحسن، لكن مع مرور الأيام والعلاج السلوكي، وزيادة الجرعة من قبل الطبيب تحسنت بشكل كبير، ووصلت مرحلة متقدمة نوعا ما، لكن الطبيب في إحدى الزيارات قال لي: سنوقف الأروركس لأنه ينقطع من الصيدليات، وسنرفع جرعة الزيروكسات، لكن الذي حدث بعد أن عملت بكلام الطبيب أنني انتكست، عدت إلى الطبيب وأخبرته فأعطاني إيفكسر وأبقى على الزيروكسات، وبدل التفرانيل بالأندرال فورتي.
انتظمت على العلاج وتحسنت لكنني في الحقيقة لم أصل إلى مستوى التحسن الذي وصلت إليه مع الأروركس، والآن أعادني الطبيب إلى الأروركس.
سؤالي: - يا دكتور - ما هو العلاج المناسب لحالتي؟ وهل الأروركس هو أفضل الأدوية مع الزيروكسات في علاج الرهاب؟ وكيف أستفيد من العلاج المعرفي السلوكي؟ ثم إنني - يا دكتور - أحب الإعلام، وأنا موهوب في هذا المجال، ولدي إمكانات هائلة ومن سنوات وأنا أعد نفسي لأن أكون إعلاميا في التلفزيون أو الإذاعة، فهل أستطيع أن أحقق رغبتي بعد أن أتخلص من الرهاب؟ أرجوك صارحني في هذه النقطة بالذات.
أيضا - يا دكتور - بعد أن تحسنت مع الأدوية اكتشفت أن لدي شخصية أخرى: جريئة وساخرة جدا، وشجاعة، وكاريزما، ولغة جسد، فهل هذه هي شخصيتي الحقيقية التي غيبها الرهاب كل هذه السنوات؟
آسف على الإطالة وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ مالك حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فجزاك الله خيرا على تواصلك، وأعتقد أخي مالك أنك قد تواصلت معنا في وقت سابق.
حقيقة فالرهاب الاجتماعي يعالج عن طريق العلاج السلوكي وعن طريق الأدوية المضادة لهذا الرهاب، وأريد أن أبدأ لك بالعلاج المعرفي السلوكي.
العلاج المعرفي السلوكي يقوم على نظرية العالم آرون بك، الذي يرى أننا نفرض السلبية على أنفسنا وعلى العالم من حولنا، وننظر إلى ماضينا ومستقبلنا بصورة سلبية، وهذا هو الذي يؤدي إلى تكوين الاكتئاب والمخاوف لدينا.
ويرى هذا الباحث أن تغيير التفكير المعرفي – أي التفكير العقلاني الداخلي – باستبدال هذه الأفكار السلبية اللاإرادية بصورة جزئية، يمكن أن نتحسن جدا وأن يتحول مزاجنا من مزاج مكتئب إلى مزاج منشرح وفعال، هذه هي نظرية العلاج المعرفي السلوكي بصفة عامة.
وهنالك عدة طرق لهذا العلاج يعرفها ويمارسها الأطباء، منها على سبيل المثال: تحديد كل الأفكار السلبية التي يعاني منها الشخص، ثم يقوم الطبيب المعالج بمدارستها مع الشخص الذي يعاني منها، ثم بعد ذلك يتم استبدال الفكرة السلبية بأخرى مقابلة لها إيجابية، ويقوم الطبيب بإعطاء المريض واجبات منزلية لتكرار هذه الأفكار الإيجابية، ثم بعد ذلك تحصل مقابلات وأساليب علاجية أخرى كثيرة، هذا بالطبع هو مضمون العلاج السلوكي المعرفي.
أما بالنسبة لاستشارتك حول الأدوية، فحقيقة إذا رجعت بك قليلا إلى التاريخ الطبيعي للأدوية المضادة للمخاوف، أول دواء استعمل للمخاوف هو التفرانيل، وقد استعمل التفرانيل لعلاج الطلاب الذين لديهم الخوف من الذهاب إلى المدرسة، وبعد ذلك وجد أنه مفيد في بقية المخاوف.
ثم بعد ذلك أتى العقار الذي يعرف باسم زاناكس، والزاناكس من الأدوية الطيبة جدا لعلاج المخاوف الظرفية الوقتية، ولكن لا ينصح باستعماله لمدة طويلة حيث أنه يؤدي إلى الانتكاسة والتعود.
ثم بعد ذلك ظهر الإيروركس، الإيروركس والذي تنتجه شركة رووش هو من الأدوية الممتازة جدا، هذا الدواء أصلا هو مضاد للاكتئاب، ولكن اتضح أنه معالج فعال للمخاوف الاجتماعية، فقط يحتاج إلى جرعة كبيرة لا تقل عن 600 مليجرام في اليوم، كما أن جرعته لابد أن تكون متعددة، بمعنى أن يأخذه الإنسان مرتين أو ثلاث في اليوم، ويتميز الإيروركس بأنه لا يؤدي إلى أي سلبيات في خصوص المعاشرة الزوجية، كما أنه لا يؤدي إلى زيادة الوزن.
ثم بعد ذلك ظهرت أدوية أخرى، وبالطبع الزيروكسات هو أكثرها شيوعا في علاج المخاوف الاجتماعية، ثم بعد ذلك توجد الآن دراسات تفيد أن الزولفت وكذلك السبرلكس وحتى الفافرين من الأدوية الفعالة لعلاج المخاوف النفسية والرهاب الاجتماعي.
الأدوية بالطبع ربما تناسب إنسانا معينا، ولكن شخص آخر ربما يحتاج إلى دواء من نوع آخر؛ لأن استجابات الأدوية وفائدتها قائمة على البناء الجيني للإنسان، ومن هنا يأمل العلماء إن شاء الله أنه بعد اكتشاف الخارطة الجينية للإنسان بصفة كاملة يمكن أن يحدد أي الأدوية تناسبه، هذا لا أعتقد أنه سوف يحدث في القريب العاجل ولكن أتمنى أن يرى النور.
أيها الأخ الفاضل: حقيقة - مع احترامي الشديد لطبيبك - لا ينصح كثيرا بأن يأخذ الإنسان الزيروكسات والإيروركس في نفس الوقت؛ لأنها قد تؤدي إلى ارتفاع حاد في مادة السيرتونين، وهذا يؤدي إلى بعض الصعوبات والمشاكل وارتفاع في ضغط الدم لدى بعض الناس، لذا ننصح باستعمال الإيروركس لوحده والزيروكسات لوحده، ولا ننصح أبدا باستعمال الدوائين مع بعضهما البعض، وذلك حسب الأبحاث العلمية، وحتى الشركات المصنعة لهذه الأدوية لا توصي بأن تأخذ مع بعضها البعض.
أخي! استمر على الإيروركس على بركة الله وأعتقد أن الإخوة في شركة رووش يوفرون هذا الدواء ولا أرى سببا أنهم سوف يتوقفون عنه لأنه من الأدوية الطيبة والناجحة.
أما فيما يخص شخصيتك، ربما يكون هنالك لديك نوع بسيط من تقلب المزاج، هذا المزاج يتحسن مع استعمال الأدوية التي تتناولها، وهي أدوية أصلا في المقام الأول مضادة للاكتئاب، مما يعطيك القدرة والإقدام والشجاعة.
أرى أن شخصيتك شخصية طبيعية، ويجب ألا تراقب نفسك كثيرا في هذا السياق، توجد اختلافات بسيطة بين الناس، هنالك الشخصية القلقة، هنالك الشخصية الطموحة، هنالك الشخصية الفضولية، هنالك الشخصية الظنانية، شخصية متقلبة المزاج، شخصية وسواسية، الشخصية التي تميل إلى البرود والانطوائية... وهكذا.
لكن هذه في نظري ليست أمراضا، إنما هي سمات فقط قد تميز بها الناس عن بعضهم البعض، ولا نعتبرها مرضا إلا إذا كانت في درجة شديدة وحادة وأصبحت معيقة للإنسان من الناحية الاجتماعية والناحية الأسرية وفي محيط عمله، وأنت الحمد لله لست كذلك، فأرجو أن تستمر على علاجك، وأن تحاول بقدر المستطاع أن تطبق الإرشادات السلوكية السابقة.
وأسأل الله لك التوفيق.