السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب أبلغ من العمر 18 سنة، أنهيت الثانوية العام الماضي، والنتائج مرضية -الحمد لله-، ولأني كنت محافظا وأذهب للمساجد معظم وقتي، التحقت بكلية الشريعة، كنت في غاية الفرح لهذا الأمر الذي حسبته أعظم شيء حصلت عليه، وظل الأمر بسلام حتى حين.
بعد فترة وخلال العام الدراسي تغيرت الأحوال فجأة، وأصبحت أعاني شيئا يشبه السحر، فلا أطيق دراستي، أو الأمور التي كنت أفعلها من طلب العلم وغيره، وانتكست بشكل كبير ولا أعلم كيف أشرح لكم؛ صرت مغلوبا على أمري، ومنذ ذلك اليوم وأنا أسقط للهاوية وكل مطب أسوأ من السابق، وكل الأشياء التي أقلعت عنها منذ فترة عدت لها، مثل: التدخين والأغاني وسفاسف الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان، وصار التزامي الديني وتديني أمرا صعبا، رغم جديتي واستقامتي سابقا، كلما جددت التوبة أعود وأكرر الذنب.
سيطرت العصبية على عقلي، رغم أني أحب الضحك، ولا أعلم ماذا أفعل؟ والندم يأكل عظامي كل يوم، ولا حول لي ولا قوة، كلما ذهبت إلى الجامعة تشاجرت مع الأساتذة، وأصبحت عاقا بوالدي، وعبوسا وعسر التفاهم ويصعب إقناعي، وغيرها من الطباع السيئة، ونسيت ما حفظته من القرآن.
أرجو من سيادتكم إعطائي نصيحة تفيدني، وجزاكم الله خير الجزاء، وسدد خطاكم إلى ما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونسأل الله أن يهديك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنك سيئ الأخلاق والأعمال، لا يصرف سيئها إلا هو.
واحمد الله تبارك وتعالى الذي بصرك بالمرض، فإن معرفة المريض أنه مريض هي الخطوة الأولى في البحث عن العلاج والدواء والشفاء -بإذن الله تبارك وتعالى-، فالجأ إلى الله تبارك وتعالى، واستعن بالله وتوكل عليه، ولا تيأس، واطرد الأفكار السالبة.
واعلم أن الله ما سمى نفسه (توابا) إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه (غفورا) إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، واعلم أن عدونا الشيطان يقعد لمن أراد الصراط المستقيم، فتعوذ بالله من شره، وخالف هذه المشاعر السالبة، وابحث عن رفقة صالحة تذكرك بالله إذا أنت نسيت، وتعينك على طاعة الله إن ذكرت.
واطلب الدعاء من والديك، واحرص على صلة رحمك، وتذكر لذة الطاعة التي كنت عليها، واحرص على المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وعلى قراءة الرقية الشرعية على نفسك، ولا مانع من الذهاب إلى راق شرعي متخصص، يقيم الرقية الشرعية وفق قواعدها وضوابطها المرعية.
فكل هذا له علاج، ولكن المهم هو أن تبدأ، واستعن بالله تبارك وتعالى ولا تعجز، واحرص على ما ينفعك، واعتذر للأساتذة الذين أسأت إليهم، واطلب مساعدتهم، فإنك ستجد من يوجه، وستجد من يرشد، وهم أعلم الناس بحالك وبالتغير الذي حصل لك، وما رغبت فيه من الخير وحفظ لكتاب الله سيعود -بإذن الله تبارك وتعالى-، فلا تبتعد عن هذا الكتاب.
واعلم أن عدونا الشيطان همه أن يحزن أهل الإيمان، والشيطان يحزن إذا تبنا، ويندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فعامل عدونا بنقيض قصده، ومهما حصل منك من التقصير فلا تقصر في الصلاة، ولا تقصر في وردك من كتاب الله تبارك وتعالى، فإن هذا فيه العلاج وفيه الدواء.
واعلم أن الإنسان بحاجة إلى أن ينظر في مرئياته، في المواقع التي يشاهدها، في الرفقة التي حوله، في أسباب هذا التغير الذي حدث، فإنه إذا عرف السبب بطل العجب، وسهل علينا بتوفيق الله إصلاح الخلل والعطب.
المهم أنت بدأت في الطريق الصحيح، تواصل مع موقعك، واجتهد دائما في أن تجدد التوبة، حتى لو سقطت لا تتوقف عن التوبة، فإنها واجبة في كل حين، قيل للحسن البصري: نتوب ثم نعود، نتوب ثم نعود، إلى متى يا إمام؟ قال: (حتى يكون الشيطان هو المخذول، حتى يكون الشيطان هو المحسور).
ومما يعين الإنسان على الثبات على التوبة: أن يهجر بيئة المعصية، ورفقة المعصية، ويتخلص من أدوات المعصية، وينتقل إلى رفقة صالحة يعبدون الله فيعبد الله معهم.
نسأل الله أن يعينك على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.