السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بالله عليكم ساعدوني، أنا مصابة بمرض الوسواس القهري الديني منذ أكثر من سنتين، لم أرض يوما بالإساءة للذات الإلهية، ولكني البارحة لم أنم طوال الليل بسبب الأفكار الكفرية، فقد دافعتها، ولكني شعرت أني قد كفرت، ورضيت بذلك، فبدأت أبكي، وبدأ أنيني يعلو، ثم وكأني استسلمت ورضيت، ولم أستطع الرد، ثم لا أذكر ما حدث بعدها.
أذكر أني قلت لأبي الذي استيقظ من أجلي ما حدث معي، وأني رضيت، وبعدها حاولت قتل نفسي من هول ما حدث! واليوم تأتيني أفكار بأن الله سيأخذني إلى النار بعد مقاومتي لسنتين، فقط لأني استسلمت البارحة للفكرة، وأحاول الرد بأن الله لا يظلم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك شر هذه الوساوس، ويذهب عنك كيد الشيطان.
ونحب أن نطمئنك أنك على إسلامك وإيمانك، فأنت على الإسلام والإيمان، وليس هذا كلاما ننشئه نحن، ولكننا ننقله لك من كلام رسول الله (ﷺ)؛ فقد جاء إليه رجل يشكو شيئا من هذه الوساوس، ويجدها في صدره، وأنه يكره البوح والتكلم بها، ويخاف من ذلك، فقال له الرسول (ﷺ): (ذاك صريح الإيمان) وفي رواية: (ذلك محض الإيمان).
فجعل النبي (ﷺ) وجود هذه الوساوس مع كراهية الإنسان لها وخوفه منها؛ دليلا صريحا على وجود الإيمان في القلب، وهذا هو الواقع؛ فإنه لولا وجود الإيمان في القلب لما كنت تشعرين بكل هذا الخوف والألم، فنطمئنك أولا أن إسلامك وإيمانك بخير، وأن هذا الذي تعانين منه إنما هو شيء من كيد الشيطان ومكره، يحاول أن ينغص عليك حياتك، وأن يصرفك عن طريق الإيمان والهداية والصلاح.
ولم يستطع ذاك الشيطان أن يصرفك بشيء آخر فلجأ إلى الوسوسة، ولهذا قال النبي (ﷺ) في بعض الأحاديث لمن أصيب بشيء من الوساوس: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، بمعنى أنه لم يستطع أن يخرج هذا الإنسان من الإيمان إلى الكفر، فرجع إليه بالوسوسة.
فننصحك بأن تشعري بالسعادة والفرح لهذه البشارات النبوية، وهذا الشعور نفسه من أهم الأسباب لدفع الوسوسة عنك؛ فالشيطان حريص على أن يحزنك، فراغمي الشيطان، وأرغمي أنفه في التراب بالشعور بالسعادة والفرح بأنك على الإيمان والإسلام، وأن الرسول يبشرك بذلك.
ثم خذي بالأسباب التي تدفع عنك شر هذه الوساوس، وهذه الأسباب هي التداوي؛ فالوساوس داء ومرض، والله تعالى شرع لنا التداوي من المرض، فقال النبي (ﷺ): (تداووا عباد الله)، والدواء للوساوس له شقان:
- الشق الأول: الدواء الحسي (المادي): وهذا ينبغي أن تستعيني فيه بالأطباء المتقنين لعملهم.
- والشق الثاني من الدواء: الدواء المعنوي (الشرعي)، وهذا لخصه النبي (ﷺ) في ثلاث وصايا:
الوصية الأولى: عدم الاشتغال بالوساوس، وتحقيرها، وعدم الاعتناء بها، والاهتمام بها، فلا تلتفتي إليها، فهي أفكار حقيرة، لا تستحق منك أي اهتمام، فإذا داهمتك هذه الأفكار فاصرفي ذهنك وقلبك عن التفكير فيها، واشتغلي بأي شيء ينفعك.
الوصية الثانية: الإكثار من الاستعاذ بالله كلما داهمتك هذه الأفكار؛ فإذا طرأت لك هذه الفكرة فقولي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مع صرف قلبك عن التفكير بها، وفي الحديث: (فليستعذ بالله).
الوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله تعالى، وملازمة الذكر، ولا سيما كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)؛ فإن النبي (ﷺ) قال في حق الموسوس: (فليقل آمنت بالله) فأكثري من ذكر (لا إله إلا الله)، ودوامي على أداء الصلوات في أوقاتها، وقراءة القرآن، واملئي وقتك بالشيء النافع، ولا تدعي في جدولك فراغا يدعوك إلى الاشتغال بالتفكير بالوساوس، فإذا اتخذت هذه التدابير فإن الله تعالى سيصرف عنك شر هذه الوسوسة، ويريحك من عنائها.
وبعد هذه الوصايا كلها -ابنتنا العزيزة- ينبغي ألا ننسى أن نحذرك من أن يجرك الشيطان لارتكاب حماقة وذنب، ينقلك من معاناة بسيطة سهلة إلى معاناة وآلام كبيرة دائمة، فالانتحار وقتل النفس من أعظم الذنوب التي يرتكبها الإنسان في هذه الدنيا، والمنتحر ينتقل من معاناة سهلة يسيرة في هذه الدنيا إلى معاناة كبيرة، فإنه يعذب في نار جهنم كما أخبر النبي (ﷺ) بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه، خالدا مخلدا فيها أبدا.
فاحذري كل الحذر من أن يجرك الشيطان نحو هذا الاتجاه، واتخاذ قرارات من هذا القبيل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره، ونسأله لك عاجل العافية.