أصبحت أنفر من أمي بسبب معاملتها لي، فما نصيحتكم لي؟

0 2

السؤال

السلام عليكم

كانت معاملة والدتي لي ولأختي في صغرنا سيئة، وبما أن أختي الكبرى عانت من ضرر نفسي بسببها، فقد بادرت بقبول الزواج بسرعة، ولم تكمل دراستها، ثم انقطعت أخبارها لمدة أربع سنوات، لنكتشف بعدها أنها ستتطلق، علما أنها كانت تتحدث معنا في الفترات الأولى من زواجها، لكن بسبب مشكلة صغيرة، قاطعتها أمي تماما.

أصبحت أختي قريبة جدا من خالتي، لأنها وجدت فيها صفات الأم التي لم تجدها في والدتي، وبعد طلاقها، طلبت منها أمي العودة للعيش معنا، لكنها رفضت، واختارت أن تعيش بالإيجار بدلا من الرجوع إلى المنزل، ومنذ طلاقها بدأت أمي تعاملها بطريقة مختلفة، لدرجة أن أختي نفسها تفاجأت بذلك.

أما أنا، فلا زلت أعاني من مشكلات نفسية بسبب والدتي، حيث كانت تفرض علي أشياء لا أريدها، وإذا لم أستجب لها، كانت تمارس علي عقاب الصمت، حتى وإن اعتذرت لها لا تسامحني.

كما أنني عندما كنت صغيرة، تعرضت للضرب من قبل معلمة في الروضة أمام الكثير من الناس لسبب تافه جدا، وعندما أخبرت والدتي، لم تفعل شيئا، بل ألقت اللوم علي! ونتيجة لذلك، أصبحت أخشى التحدث أمام الغرباء، ولا أستطيع تحمل الازدحام، وما زلت أعاني من آثار هذا الموقف حتى الآن، رغم أنني بلغت عمر 22 سنة.

صحيح أن والدتي تغيرت في بعض الأمور، لكنها لم تخصص لي وقتا للحديث معها، حتى عندما أذهب إليها، تخبرني أنها متعبة ولا تريد الكلام، لكنها في الوقت نفسه تمسك هاتفها وتشاهد مواقع التواصل الاجتماعي.

نحن في المنزل متفرقون؛ فأنا دائما في غرفتي، وأخي كذلك، ووالدي يشاهد التلفاز، وأمي على الهاتف، لا نخرج في نزهات عائلية، ولا نقوم بأي أنشطة مشتركة.

في الآونة الأخيرة، أصبحت أشعر بالنفور من أمي، لدرجة أنني لا أرغب في الحديث معها، كما أنني أريدها أن تشعر بالذنب، وتدرك أنها أخطأت، وأنها السبب فيما نعيشه، لكنها من النوع المسيطر، الذي يرى نفسه دائما على صواب، ولا يمكن أن يعتذر، لذلك أصبحت أحيانا أتجنب الحديث معها لعدة أيام، ثم أعود لنتخاصم ونبقى هكذا.

أود التأكيد على أنني لا يمكن أن أكره أمي أبدا، بل أحبها كثيرا، وأتمنى لها الهداية، لكن ما سبب نفوري منها؟ ولماذا أغضب عليها كثيرا؟ وهل هي على حق فيما تفعله أم أن تصرفاتها خاطئة؟

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سيرين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك –ابنتنا الفاضلة– في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يهدي الوالدة إلى الحق والخير، وأن يهديها لأحسن الأخلاق والأعمال؛ فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، كما نسأله تبارك وتعالى أن يعينكم على برها والصبر عليها، وإذا لم نصبر على الوالدة فعلى من يكون الصبر؟!

نكرر لك الشكر على هذا السؤال الرائع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن ييسر عليك وعلى شقيقتك الكبرى، وأن يعينكم جميعا على أداء ما عليكم؛ لأن الإنسان في مسألة البر ينبغي أن يدرك أن البر طاعة لله تبارك وتعالى، وأن تقصير الأم لا يبيح لنا التقصير في حقها، أو تقصير الأب لا يبيح لنا التقصير في حقه.

الإنسان في هذه المسألة عليه أن يؤدي الذي عليه، ويسأل الله تبارك وتعالى الذي له، وأرجو أن تتذكري أيضا أن الله تبارك وتعالى ربط بر الوالدين بعبادته، وجعل رضاه في رضاهما، وسخط ربنا العظيم في سخطهما؛ لأنهما أصحاب أكبر حق على الإنسان بعد حق الله تبارك وتعالى، فهما سبب وجودنا في هذه الحياة.

لذلك مهما حصل من الوالد أو من الوالدة، ومهما حصل حتى من الذنوب والتقصير فإن هذا لا يبيح لنا التقصير في حقهما، بل إذا وجد من الوالدين من يأمرنا بالعصيان وبالكفر وبالشرك فإنا لا نطيعه، فـ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، قال ربنا العظيم: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما) ولكن مع ذلك لم يقل: تشتمهما، ولم يقل تقصر في حقهما، وإنما قال والحالة هذه: (وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي).

كما ننبه على مسألة في غاية الأهمية، وهي أنك تكلمين والدة، ما ينبغي أن تظني أنها زميلة تغضبين منها وترفعين صوتك عليها، وتكلمينها بنبرة لا تليق، وبطريقة غير صحيحة، أنت تكلمين والدة، ليس لك أمامها إلا اللطف والاحترام، وقدوة الناس في هذا هو خليل الرحمن، إبراهيم عليه السلام، الذي دعا والده الذي لم يكن عابدا للأصنام فقط، بل كان سادنا، بل كان القيم على تلك الأصنام وعبادتها -عياذا بالله- ومع ذلك لما أراد نصحه قال: (يا أبت... يا أبت... يا أبت... يا أبت...)، كانت النصيحة في منتهى اللطف، وهذا الأب المشرك غضب من ابنه وقال له: (لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا)، عند ذلك قال إبراهيم ملاطفا: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا).

لذلك قالوا: إذا نصحنا للوالد أو للوالدة وغضبا، ولم يرضيا؛ فإن علينا أن ننسحب بهدوء، ثم نعيد الكرة بعد ذلك، بعد أن نقدم بين يدي نصحنا صنوفا من المعروف والإحسان للوالد أو للوالدة، ثم نقدم لهما النصيحة التي نرجو أن تقبل منا؛ ولأن يكون ذلك سببا لهدايتهما وعودتهما للحق والصواب.

كما أرجو أن تنصحي أختك بضرورة أن تعود إلى البيت، وتعطي الوالدة حقها، والاهتمام بها، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينكم على أداء ما عليكم، ولا تظهري لها مشاعر الكره أو النفور، لأن هذه الأمور لا تليق في العلاقة بين البنت ووالدتها، واعلمي أن أسباب هذا النفور هي بعض الممارسات الخاطئة، وبعض التصرفات التي لا تعجب، بالإضافة إلى الأذية التي نالها الناس دائما من الأشرار، أو من مجاراة الناس ومعاملتهم معاملة سيئة.

أرجو أن تتذكري أن هذه والدة، ولها حق عظيم جدا، وبالتالي تسلحي بالصبر، واحرصي على أن تقومي بما عليك، وإذا قمت بما عليك، وحصل التقصير من الوالدة؛ فالبشارة لك من الله: (ربكم أعلم بما في نفوسكم) يعني من البر والإحسان (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا).

قطعا الوالدة ليست على حق، ونحن لا نوافق على ما يحصل منها، لكن أيضا لا نوافق على مجاراتها، فأنت -كما قلنا- لا تتعاملين مع زميلة، بل مع والدة، وينبغي أن تعلم الشقيقة الكبرى أيضا أن للوالدة حقا في الاحترام والتقدير والإكرام.

ونسأل الله أن يعينكم على الخير.

مواد ذات صلة

الاستشارات