السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتمنى أن أجد جوابا كافيا يريح بالي، ويصلح صلتي بالله تعالى، فأنا أعاني من قلق عام، وتم تشخيصي من قبل طبيبين مؤخرا، لكن الفترة الأكبر من حياتي لم أكن أعلم، وكنت أظن أن هذا ابتلاء، ولم أكن أعلم أنه مرض نفسي، لذلك كنت في حيرة من أمري، فكنت أشعر أن هذا من أعمالي أو ذنوبي، مثل باقي الشباب.
أحيانا أظن أنه بلاء؛ لأنني كنت أحاول التقرب من الله، لكن لم أستقر على حال، بجانب ذلك وبسبب مرضي النفسي، تأخرت في الدراسة لثلاث سنوات، حتى أني تركت الدراسة الجامعية نهائيا منذ أسابيع، بسبب مرضي، أكون في ضغط وقلق يمنعني حتى من الذهاب إلى الامتحان.
ومع تكرار ذلك كل سنة، كنت أدعو الله بخشوع وتضرع، وأكون على تمام اليقين أن الله سوف ينصرني ويشفيني، وأتجاوز السنة الدراسية على خير، ثم لا أجد ذلك، فأكون بين أمرين، إما أن أقنط من رحمة الله وفائدة الدعاء، أو أقول لنفسي: إن دعائي لا يقبل، لأنني وقعت في ذنب عظيم.
الآن، أريد العودة إلى الله والتوبة، أعلم أن الله يغفر ما دون الشرك ويقبل التوبة، لكن إذا أذنبت بأي شكل، أشعر أنه لا حق لي أن أستعين بالله على المصاعب أو المرض، وهذه في حد ذاتها مشكلة، أشعر أنه لا حق لي أن أستعين بالله إذا قصرت في فرض، أو مثل ذلك، رغم علمي أنه خطأ، أشعر أنني لا أستطيع الاستعانة بالله إذا لم أتم الصلوات الخمس.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي: كل ما ذكرته من أسباب لا تبيح لك الوقوع في المحرمات، ولا تجيز لك الابتعاد عن الصلوات، أو تأخيرها مهما كان عندك من قلق أو توتر، بل نقول لك: إن أحد العلاجات الهامة -مع ما ذكره الطبيب- لدفع هذه الآلام عنك هي في التقرب إلى الله عز وجل، لا في الابتعاد عنه، وعليه فالبداية لا بد أن تكون منك أنت.
ثانيا: هل يحق لك الدعاء وقد وقعت فيما حرم الله تعالى، وترك الصلوات؟
انظر أخي الكريم: أما الدعاء فيحق لك، وأما التوبة، فلا شيء يمنعك منها، بل اعلم أن الله ما فتح لك باب التوبة، إلا وهو يريد أن يتوب عليك، برغم كل ما ارتكبت من آثام ومعايب؛ فإن الله يقبلك متى ما صدقت توبتك وأحسنت العمل.
أخي: رسالتك تدل على أن لك قلبا فيه من النور والخير ما يجب أن تبني عليه، فلم تستطع تلك المعاصي أن تطفئ حبك لله وخوفك منه، وهذا إن دل فإنما يدل على إرادة الخير في داخلك، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة.
وعليه فكن مطمئنا -أخي- بيقين أن الله يغفر الذنوب جميعا، وأن الله يقبل توبة التائبين، باب التوبة مفتوح، فلا تيأس ولا تظن أنك بعيد عن الله عز وجل، بل تذكر قول العالم للتائب الذي قتل مائة نفس، وقد أيس من التوبة فقال: "هل لي من توبة"؟ فكان جواب العالم: "ومن يحول بينك وبين الله"؟ ونحن نكررها لك، أنت عبد وهو رب، وقد وعدك بقبول توبتك فانهض وأقبل عليه، واعلم أن التوبة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الندم" وهي كما قال ابن القيم: بداية العهد وخاتمته استجابة لأمر الله، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)، واعلم أنها سبب فلاحك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، وهي الجالبة لمحبة الله لك، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
وهي سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) وهي سبب لنزول البركات من السماء وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين) وهي من أسباب تكفير سيئاتك، وتبديلها الى حسنات، قال سبحانه: (إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).
بل نقول لك: إن الله يفرح بتوبتك، نعم -أخي- يفرح الله لتوبة عبده العاصي وإقباله عليه، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة" متفق عليه، وفي رواية لمسلم: "لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح"
وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأمل في الله خيرا، واعلم أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)، والتعبير بقوله جل شانه (لا تقنطوا من رحمة الله) دال على سعة رحمة الله، فلا تيأس.
ثالثا: إننا نوصيك بما يلي -أخي-:
1- تب إلى الله عز وجل مما كان منك، وعاهد مولاك على عدم العودة، وانطلق دون أن تلتفت إلى الوراء.
2- أوجد لك صحبة صالحة، فإن المرء بإخوانه، وإخوانه بدونه، والذئب يأكل من الغنم القاصية.
3- اجتهد في طلب العلم الشرعي، فإن العلم صيانة وحفظ.
4- حافظ على صلاتك في المسجد وعلى النوافل، وداوم على الأذكار فإنها حماية ووقاية.
5- أكثر من الظن الحسن، فإن الله عند حسن ظن عبده به.
6- لا يوهن عزمك وقوعك في الخطأ بعد التوبة، بل اجعل هذا سبيلا للزيادة وسلما للارتقاء، وادرس الأسباب التي جعلتك تقع فيما حرم الله، واجتهد في الابتعاد عنها.
7- الزم الدعاء فإن فيه الفرج.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يسعدك، وأن يعافيك، والله الموفق.