السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله في موقعكم.
لدي مشكلة أنني لا أستطيع فهم مشاعر الناس، ودائما ما أكون ساكتا منذ أن كنت طفلا، لا أفهم مشاعر الضحك والمزاح، لا أفرق بين الجد والمزاح، وليس هذا فقط، هوسي وتفكيري الضيق جدا، لا أصدق بأني أمضيت سنوات وأنا أفكر طوال الوقت في الرياضيات، وأختم كتبا كثيرة، إضافة إلى علمي ببعض قواعد اللغة العربية، وعلم العروض.
كم حاولت بأن أوسع مدارك تفكيري، ولكن دون فائدة، دائما أكون الشخص الهادئ، الذي لا يستطيع التعبير عن مشاعره، ولا يفهم مشاعر الناس، حتى أن صوتي منخفض، وأمشي بشكل غير متزن.
دائما كان يقول لي والدي: "أنت جلف"، رغم أني لا أقصد إيذاء الناس، ولكن أشعر بأن عقلي مجرد آلة تفهم الأرقام والمعادلات، وتنفذ الأوامر فقط!
أحب العزلة، وكنت أمشي وحدي وأنا صغير، وأرى التغيير أمرا صعب المنال، أشعر بعقدة النقص، وأن عقلي فارغ، رغم أني دائما كنت الأول على الصف والمدرسة، ولكن تفكيري الضيق، وصعوبة فهمي للبشر، جعلني أنظر لنفسي بأني أقل قيمة.
لم أر شخصا مهووسا مثلي، وتفكيره بهذا الضيق، ولا يحب التوسع، أو التغيير، كم من الخلافات حدثت حولي بسبب هذه المشكلة، لا أفهم زملائي، ولا هم يفهمونني، بدأت أشك حقا بأن لدي توحدا، أو شيئا من ذلك، فما تشخيصكم لحالتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ عبدالرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، والحرص على السؤال، ونبشرك بأن إدراكك للمشكلة هو الخطوة الأولى، بعد توفيق الله تبارك وتعالى في الوصول إلى العلاج الصحيح، وهذه الكتابة تدل على أنك تجيد لونا من التواصل، فلتبدأ بالتواصل مع موقعك، ومع أصدقائك، ومع أساتذتك بطرح الأمور التي عندك، وطلب المساعدة منهم.
ثم تنتقل بعد ذلك إلى التواصل في الواقع، ولتبدأ بصديق؛ ومما يعينك على التواصل معه أن تدعوه إلى طعام وتشاركه فيه، فإن هذا مما ينمي المحبة بين الناس، وإذا كان حزينا تسأله عن سبب حزنه، وإذا عنده مشكلة تحاول أن تعاونه، أو أن عنده مسألة في الرياضيات لا يستطيع حلها تشرحها له، هذا سيفتح لك أبواب.
ثم عليك أيضا وأنت تتعامل مع والديك أن تجتهد في إرضائهم، في خدمتهم، وفي تقريب الأشياء البعيدة لهم؛ لأن هذا كله يعتبر نوعا من المشاريع العملية للتواصل مع الآخرين، فالإنسان لا يمكن أن يعيش وحده، ولا يستطيع أن يعيش وحده، ولا مانع أيضا من عرض نفسك على طبيب نفسي، وهناك مراكز متخصصة في تنمية هذه المهارات، ومهارات التواصل مع الآخرين، ويبدؤون معك البرنامج بأن يناقشوك في اهتماماتك، ويطلب منك أن تشرح له مسائل، ويطلب منك أن تعمل أشياء تجيدها، ثم ينتقل بعدها معك إلى نقاط أخرى، فالأمر -بإذن الله- يمكن علاجه، ولكن يحتاج إلى بعض الوقت، فليكن هذا التواصل هو البداية، واحرص على مناقشة المسألة أيضا مع أقرانك، ومع المختصين عبر الكتابة إليهم، والحوار معهم، واجعل هذا بداية للتفاعل مع الآخرين.
وأما بالنسبة لمشاعرك تجاه الآخرين: فالإنسان -أحيانا- ينبغي أن يتكلف المشاعر؛ فمثلا إذا كان هناك أناس حزينين فلا يليق بك أن تضحك، وإذا كان هناك أناس فرحين، فلا تظهر العبوس، ولنبدأ بهذا، ولو كان على سبيل التكلف والتصنع، ثم بعد ذلك يصبح الإحساس بالآخرين وبآلامهم، أو مشاركتهم في أفراحهم فعلا ملموسا، أرجو أن تبدأ، ولا تظن بأنه لا يوجد مرض بلا علاج، ونوصيك أيضا بأن تصلح ما بينك وبين الله، وأن تحافظ على أذكار الصباح والمساء، وعلى قراءة الرقية الشرعية، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
___________________________________
انتهت إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي -المستشار التربوي-
وتليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -مستشار أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
_______________________________________
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق.
أرجو الاطلاع بكل دقة واهتمام على الإجابة التي أوردها الأخ الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي، فهي إجابة رصينة جدا، وإرشادات ينبغي ويجب أن تأخذ بها، وأنا أقول لك من الناحية النفسية:
الإنسان كثيرا ما يخفق في تقييم ذاته، وتكون له مقدرات معينة يهتم بها أكثر، كالأكاديميات مثلا، ويجد نفسه في نفق ضيق جدا في ما يتعلق بالتواصل الاجتماعي، وفهم الذات، وفهم الآخرين، أنت ربما يكون لديك شيء من هذا، لذا لا تشعر بقيمتك الذاتية الحقيقية، وهذا لا نعتبره مرضا، إنما هي ظاهرة، ولكنها ظاهرة مهمة جدا.
الإنسان حتى يفهم نفسه فهما صحيحا، ويقبل نفسه، ثم يتعامل مع نفسه إيجابيا، ويسعى لتطويرها -وكذلك يفهم الآخرين ويقبلهم كما هم، ثم يتعامل معهم إيجابيا- فهذا يحتاج لتطوير ما يعرف بـ (الذكاء الوجداني)، أو (الذكاء العاطفي)، فأنت تحتاج حقيقة لأن تكثف من قراءاتك، واطلاعاتك عن الذكاء الوجداني، وأفضل ما كتب في هذا العلم هو: (دانيل جولمان Daniel Goleman) الأمريكي، كتابه الذي كتبه عام 1995 (Emotional intelligence)، وهذا الكتاب كبير بعض الشيء، لكنه كتاب أساسي، لأن الدكتور دانيل جولمان هو رائد هذا العلم، وهنالك كتب وبرامج كثيرة جدا على الإنترنت موجودة توضح كيفية تطوير الذكاء الوجداني، أو ما يعرف بالذكاء العاطفي.
أنا أعتقد بأن هذا هو الذي تحتاجه؛ لأنه من خلال الذكاء العاطفي (أو الوجداني)، والتطبيقات التي يجب أن تقوم بها سوف تكتشف ذاتك على حقيقتها، وسوف تقيمها التقييم الصحيح، وبعد ذلك تنتقل لمرحلة قبول الذات، ثم فهم الذات، ثم السعي لتطويرها، وكذلك فهم الآخرين وقبولهم، والتعامل معهم بصورة إيجابية.
أنا أعتقد أن هذا هو الشيء الأساسي الذي تحتاج له، وكثير من الناس يكون لهم مقدرات عالية جدا فيما يتعلق بـ (الذكاء الأكاديمي)، لكن تجد لديهم فشلا تاما فيما يتعلق بالذكاء العاطفي، أو الذكاء الوجداني.
الذكاء العاطفي يمكن أن يتطور، ويمكن أن يتحسن، بعكس الذكاء الأكاديمي، من الصعب جدا أن يتحسن بعد عمر 18 سنة، لكن الذكاء العاطفي يتطور تطورا مستمرا، فهو ليس أمرا جامدا، إنما هو أمر حيوي، متحرك، ويستطيع الإنسان أن يطوره، فأرجو -أيها الفاضل الكريم- أن تكثف جهدك للإلمام بكل دقائق علم الذكاء الوجداني، أو العاطفي، وتطبقه على ذاتك.
الأمر الثاني: عليك أن تقوم بوضع أهداف في الحياة؛ فالأهداف تجعل الإنسان يتفاعل مع نفسه، وكذلك مع الآخرين، وهذه الأهداف تقسم إلى ثلاثة:
- هدف آني ووقتي، وهذا يحقق في خلال أربع وعشرين ساعة.
- هدف متوسط المدى، ويجب أن يحقق في خلال ثلاثة، أو ستة أشهر مثلا.
- هدف بعيد المدى، وهذا طبعا يعني مستقبل الإنسان الأكاديمي، ومستقبله العملي، ومستقبله الأسري، والاجتماعي بصفة عامة.
أما الهدف الآني، فإنه حين يحققه الإنسان سوف يحس بمردود إيجابي جدا، فمثلا إذا جلست مع والدك، وقررت أن تتناول معه وجبة من الطعام، أو مثلا قررت أن تزور صديقا، أو قررت أن تزور مريضا، أو قررت أن تقرأ شيئا في السنة المطهرة، مثلا في باب من الأبواب، كالبر وصلة الرحم، فهذا هدف محسوس محدد، ويتم في نطاق وقت معين، وهو في خلال أربع وعشرين ساعة.
حين تنجز الهدف الآني واليومي -أيها الفاضل الكريم- سوف تحس بمردود إيجابي جدا، وتحقيق هدف معين قام الإنسان بتعيينه، وسوف يؤدي أيضا إلى تحقيق أهداف أخرى من غير أن يشعر الإنسان بذلك.
أما الهدف على المدى المتوسط: فإنه يحقق في ثلاثة أو ستة أشهر؛ فمثلا إذا قررت أن تحفظ أربعة أجزاء من القرآن الكريم خلال ستة أشهر، أيضا هذه مهمة محددة، في إطار زمني حدد، بخط معروف، ونتائجها معروفة، وهي المردود الإيجابي.
والهدف على المدى البعيد: طبعا الدراسة، التميز، التخصص، والعمل، والزواج -إن شاء الله- هذه كلها على المدى البعيد يطمح الإنسان في الوصول إليها، ويطمع في تحقيقها.
إذا أنا أنصحك بهذه الآليات، وهي آليات علاجية معروفة، ومجربة، وتساعدك كثيرا في تطوير وتنمية ذاتك، وأهم شيء ألا تنظر لنفسك نظرة سلبية.
أيضا حسن إدارة الوقت دائما هي من وسائل تطوير الذات، أن تنام مبكرا، أن تتجنب السهر، أن تشارك في رياضة جماعية، أن تصلي صلواتك في المسجد مع الجماعة، أن تكون لك قراءات واطلاعات، أن تحرص على الواجب الاجتماعي، أن ترفه على نفسك بما هو طيب وجميل، هذا كله من الآليات العلاجية الممتازة جدا، والتي أنصحك بها، وأنت لست في حاجة لعلاج دوائي.
وبالنسبة لعلاقتك مع والديك: يجب أن تكون علاقة مميزة؛ فبر الوالدين يفتح أبواب الخيرات، وما قاله والدك من كلمات غير مقبولة، لا أعتقد أنه قصدها بمعناها الحقيقي، فلا تؤاخذ أباك على ذلك، وكن إيجابي المشاعر، شخصا فعالا ومفيدا في أسرتك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.