والدتي تبكي دائمًا وصحتها في تدهور، فكيف أتعامل معها؟

0 6

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته>

أنا شاب عمري 18 سنة، وأعمل جاهدا كي أبر بوالدي، ولكن أمي لديها مشاكل نفسية، مما يجعلها كثيرة البكاء والحزن على أبسط الأشياء، حتى ولو لم تكن لها قيمة، حيث إنها تشعر بأن الكل يكرهها، ولا أحد معها.

أحاول جاهدا تغيير ذلك، ولكنها لا تترك مجالا للنقاش أبدا، وما إن أحاول التحدث معها حتى يفضي بها الأمر إلى البكاء، وفي إحدى المرات كنت أعاتبها -بلطف طبعا- على قلة اهتمامها بصحتها المتدهورة؛ خوفا مني عليها، فبدأت تبكي.

لا أدري ماذا علي أن أفعل لتحسين حالها، وهل أنا آثم في بكائها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنت على خير، ونحن سعدنا بهذا السؤال الرائع الذي يدل على رغبة في الخير، ولا إثم عليك، والوالدة تحتاج إلى كثير من المداراة، وكثير من الصبر، فاحرص على تطييب خاطرها، ولا تحاول أن تعاتبها أو تلومها، ولكن اجتهد في أن تضع بين يديها الطيب من الطعام، في أن تشجعها حتى تأكل وتشرب، وإذا غضبت عليك أن تصبر عليها، وإذا لم يصبر الواحد منا على والدته فعلى من سيكون الصبر؟!

ولذلك إذا أردت أن تتكلم معها فتكلم معها بما يسعدها، وبما يفرحها، واجتهد في الاحتيال عليها، ومطالبتها بأكل الطعام، وتشرف جدا وتسعد عندما تطعمها بيديك، وعندما تهتم بأمورها بنفسك، حتى لو وجد من يخدمها، أرجو أن تحرص على أن تنافس في هذا الشرف الذي هو خدمة الوالدة، وإذا كانت الوالدة مريضة فإن البر في حقها يتأكد، فهي في أحوال ضعف، (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما)، هذا حتى ولو لم تكن كبيرة، فكيف وهي الآن مريضة أيضا، وبالتالي نسأل الله أن يعينك على الخير.

ولن يضرك ما يحصل منها طالما كانت هي نفسيا غير مستقرة، لا يضرك شيء، ولك بشارة وتعزية في قول الله تبارك وتعالى بعد آيات البر: (ربكم أعلم بما في نفوسكم) من البر والرغبة في الخير، والحب للوالدة والوالد، قال تعالى: (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا)؛ ولأن البر عبادة لله؛ فالإنسان إذا قام بما عليه ثم غضب الوالد أو غضبت الوالدة فلا شيء عليه؛ لأن الذي يجازي هو الله تبارك وتعالى، نسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، ونكرر لك الشكر على هذا السؤال الرائع.
_____________________
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي المستشار التربوي والشرعي،
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
___________________

أولا: نحن حقيقة يسرنا كثيرا تصرفك، ويسعدنا برك لوالديك في هذه الأيام الطيبة، فـ ‌ما ‌من ‌أيام ‌العمل الصالح فيها أحب إلى الله، من هذه الأيام يعني العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء، فأنت ببرك هذا لوالديك في عمل صالح، وهو أفضل وأحب إلى الله في هذه الأيام الفاضلة.

ثانيا: من الواضح أن والدتك -حفظها الله- ربما يكون بالفعل لديها صعوبات نفسية، فهيمنة البكاء والحزن عليها وكثرة الانفعالات السلبية ونظرتها السلبية حول ذاتها، واعتقادها أنها مكروهة من قبل الآخرين هذا دليل على أنها تعاني في الغالب من اكتئاب نفسي، والاكتئاب النفسي يكثر كثيرا عند النساء بعد سن الأربعين.

أنت وصفت حالتها بدقة شديدة حقيقة، فمثلا قلت: حين تكلمت معها بلطف على قلة اهتمامها بصحتها المتدهورة، وذلك خوفا منك عليها؛ بدأت تبكي، هذا دليل حقيقي على وجود الاكتئاب النفسي، سرعة التأثر هذه والمشاعر والانفعالات السلبية دليل على الاكتئاب النفسي.

ذكر لك الدكتور الفاضل/ أحمد الفرجابي إرشادات أرجو أن تأخذ بها، إرشادات طيبة ورصينة، وأنا من جانبي أقول لك: إن الوالدة يجب أن تقابل طبيبا نفسيا، هي في حاجة لأحد الأدوية المحسنة للمزاج، والحمد لله الآن توجد أدوية فاعلة جدا، وأدوية ممتازة جدا، وسليمة وغير إدمانية.

إن كان بالإمكان أن تتحدث معها بكل لطف -كما تفضلت- وتذكر لها: "يا والدتي، أنا أراك غير مرتاحة، أراك مجهدة نفسيا، وحتى أنك مجهدة جسديا واجتماعيا، فلماذا لا نذهب إلى طبيب؟ لماذا لا نذهب ونقوم بإجراء الفحوصات الطبية الكاملة، ونتأكد من مستوى الدم لديك، ومستوى الفيتامينات، ووظائف الكلى والكبد والغدة الدرقية، ونطمئن على صحتك؟ وربما يكون هناك حاجة لأن تقابلي طبيبا نفسيا من أجل أن يكتب لك أحد الأدوية السليمة، والتي تؤدي إلى تحسين المزاج.

هذا أحد التوجهات الإيجابية جدا، وإن كنت أنت لست بالشخص المناسب الذي يتكلم مع الوالدة، فدع أقرب الناس إليها يتكلم معها، والكلام يجب أن يكون بتدرج، نعم بتدرج ولطف، وفي نهاية الأمر سوف تقبل -إن شاء الله تعالى- بالذهاب إلى طبيب نفسي، وكما ذكرت لك مضادات الاكتئاب متوفرة، وهي ممتازة جدا، وقد تحتاج إلى دواء واحد وليس أكثر من ذلك.

والدتك يمكن أن تعالج، ويجب أن تعالج، ويجب ألا نتركها حقيقة تحت وطأة الاكتئاب النفسي، فهو مرض فعلا يعكر صفو حياة الإنسان تماما، وأيضا من حوله لا يرتاحون أبدا، ويجدون المشقة في التعامل مع من به مثل هذه الأمراض النفسية، وإن شاء الله تعالى والدتك تقبل وتذهب لمقابلة الطبيب وتبدأ العلاج، وحينها تفرحون جميعا بتحسن مزاجها، وقبولها للحياة بصورة إيجابية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات