السؤال
أنا طالب جامعي، عمري 22 سنة، طالب عادي مسلم، أذاكر وأنجح وأصلي الفروض مثل أي شخص، ابتليت بمشكلتين: الأولى هي الإباحية منذ كنت في المرحلة الإعدادية –سأعود لها لاحقا– والثانية هي ابتلاء بحب فتاة في آخر الثانوية، الغريب أنه لم يحدث أي شيء بيننا، لا التقاء نظرات ولا دردشة، ولا أي شيء، فجأة وجدت نفسي أحبها.
المشكلة أن التقرب منها ميؤوس منه، سواء بالخطبة بسبب ظروف الجامعة، وبعدها الخدمة العسكرية، بمعنى آخر: يجب أن أنساها وأبحث عن غيرها، منذ دخول الجامعة، لم أرها أبدا، لكنها لا تخرج من تفكيري، مرت 4 سنوات، ولا يوجد في ذهني غيرها، رغم أنني لا أراها.
قرأت مقالات عن أهمية الانشغال بالدراسة، أو العمل، أو تعلم الرياضة، بدأت عادات صحية، أتعلم شيئا جديدا كل يوم، أتمرن في الجيم، وأقرأ القرآن قبل النوم، وأدعو الله أن يغنيني من فضله، لكن لا شيء يتغير، لا أنكر فضل هذه العادات في جوانب أخرى، لكن كلما وجدت وقت فراغ، أجد نفسي أفكر فيها، حتى لو كانت هناك خمس دقائق فراغ، أفكر فيها، أسرح في الصلاة وقبل النوم، وتراودني أحلام عنها.
هذه الأفكار تتزاحم مع شهوة الإباحية، أشغل نفسي بأشياء كثيرة، لكنني أعود للإباحية، وأفكر فيها، الإباحية يمكن تفسيرها باعتبارها إدمانا مثل المخدرات؛ لأنها غريزة تحتاج إلى تصريف في مكانها الصحيح، أنا أفهم ذلك، ولم أخرج منه بعد، لكنني أحاول.
السؤال الذي يحيرني: لماذا أفكر فيها (أقصد الفتاة)؟ وزاد على ذلك الشعور بشهوة زائدة، أشعر أن الحل هو الارتباط، حتى لو كان حراما، بالطبع، لم أرتبط بسبب عدم وجود مساحة أو فرصة لذلك.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مجهول حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أخي الفاضل في استشارات إسلام ويب.
لا ينبغي –أخي الكريم– اليأس من محاولات التغيير والتوبة إلى الله تعالى، كما ينبغي أن تعلم أن الله خلق الإنسان قادرا على أن يميز بين الخير والشر، فقد أعطى الله الإنسان من الوسائل ما يفرق بها بين ما يضره وما ينفعه، قال تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) فإن عجز عن المعرفة سأل أهل العلم والخبرة والنصح، ليدلوه ويرشدوه إلى طريق النجاة.
أخي الكريم: الحالة التي تعيشها -سواء في التعلق أو إدمان الإباحيات- هي مشكلة بلا شك، ستظهر آثارها في حياتك، وتأخذ من راحة نفسك وإنجازك في الحياة، وفي نفس الوقت فإن لهذه المشكلة حلا، ولكن لا بد أن تدرك أنك طرف مهم في تحقيق هذا الحل، من خلال بذل الوسع والمبادرة، والسعي في أسباب النجاة، والانتقال من هذا الحال الذي لا تريده، فإذا لم يكن لديك تلك الرغبة والإرادة الداخلية للتغيير؛ فإن سعيك سيكون ضعيفا، ومن دون قناعة داخلية.
أخي الكريم: كل مشكلة لها أسباب ولها بدايات، فقد حذرنا الإسلام من إطلاق البصر في الحرام، قال تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) فبداية التعلق بتلك الفتاة كان نظرة، لم تتب منها، أو تجتهد في إزالة آثارها بالاستغفار، ثم زاد إطلاقك البصر في المواقع الإباحية، وكل هذا يزيد من تأجيج الشهوة في نفسك، ويدفعك للتفكير الدائم في الشهوات، ومنها تلك الفتاة؛ ولأنك غير متزوج، فلن تجد متنفسا لهذه الغريزة غير العادة السرية، التي ترافق دائما مشاهدة هذه الإباحيات.
أخي الكريم: حتى تجد أثرا للطاعات وتلاوة القرآن والدعاء، لابد أن تخلي قلبك من التعلق بغير الله تعالى، وتحقق التوبة الصادقة في نفسك، من خلال تحقيق شروط التوبة الثلاثة: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه؛ فإن فعلت ذلك ينبغي أن تنتقل إلى الأسباب التي تحرس بها قلبك من العودة للمعاصي، فتجتهد في الابتعاد عن كل ما يرغبك في المعصية، من مواقع ووسائل وأماكن، حتى لا يضعف قلبك ويعود للمعصية، يقول تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
أخي الكريم: تذكر أن الإدمان على الإباحيات لن يتوقف عند مجرد النظر والاستمتاع الوقتي فقط، ولكنه مع الوقت سيتجاوز ذلك إلى الرغبة في الفعل، فمن حكمة الله أن أمرنا بغض البصر، كحماية من الوقوع في الزنا، فإن النظرة مفتاح الفكرة، فإن لم يقلع الإنسان عن النظرة المحرمة، تحولت الفكرة إلى سعي وعمل، حتى يصل الأمر إلى انتكاسة الفطرة -والعياذ بالله- ولك أن تتأمل تأثير هذا الإدمان لديك، كيف وصل بك إلى أن تجد "الحل في الارتباط حتى بالحرام!".
أخي الكريم: عليك أن تتدارك نفسك، فباب التوبة مفتوح، والله كريم، يقبل توبة العبد إذا صدق في توبته، وسعى مجتهدا في تحقيق أسباب الطاعة، والابتعاد عن الشهوات والمعاصي، فلن يخرجك من التعلق المحرم إلا أن تتوقف عن أسبابه، ثم تملأ قلبك بطاعة الله وذكره، حتى تزيح وتمحو الطاعات كل تلك الشهوات في نفسك، وإذا صدقت السعي واجتهدت في تحقيق هذه الغاية، فأبشر بالخير؛ فالله يقول: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
وفقك الله وسدد خطاك في الخير.