كيف أتعامل مع أبي، وهو ويهدم بيت العائلة بتصرفه؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في مرحلة الشباب، أعلم أن أبي يخون أمي، حتى إن أمي اكتشفت خيانته ذات مرة، لكنها استمرت معه ولم تطلب الطلاق من أجلنا، مع ذلك فأمي لم تقصر معه أبدا، بل كانت الزوجة المثالية التي يحلم بها أي رجل، لم تقصر في واجباتها تجاه بيتها، ولا مع أبي، بل تقول دائما: "لا أريد أن أعصي الله به".

أبي لم يقدرها يوما! هي تساعده بالمال، وربتنا وحدها، بينما كان هو يلهو ويلعب، ويتركنا وحدنا في طفولتنا، لم يقدم لأمي إلا الصراخ، والتقليل من شأنها ومن عائلتها، لا يسمح لها بالخروج أبدا، ولا يخرج معها، رغم ذلك، هو ليس بخيلا ماديا، فهو يوفر لنا المال وبعض الاحتياجات، لكنه يفتقد اللين والحنان كأب، طوال حياتي أشعر أنني يتيمة الأب، رغم أنه موجود في المنزل.

مشكلتي مع والدي: عندما يكون في البيت، لا يجلس معنا أبدا، بل يعمل لساعات قليلة، ثم يعود ليأكل وينام، وبعدها يذهب لرؤية من يعرفها، لا يغض بصره أبدا، بل ينظر إلى النساء حتى عندما أكون معه، لا أستطيع نصحه أو محادثته في أي أمر؛ لأنه يغضب بشدة، ولا يحب الجدال أو الاعتراف بخطئه.

ذات مرة، ناقشته بأسلوب محترم جدا في مسألة دينية، وأخبرته أنه "لا يوجد شيء اسمه بدعة حسنة"، فبدأ بالصراخ علي، وأهانني قائلا: "لست أهلا للكلام في الدين، فأنت حتى لا تحفظين جزء عم!" رغم أنني أحفظ كتاب الله كاملا، وأحافظ على صلاتي، وهو لا يصلي بانتظام، وإن صلى فإنه يقطع في صلاته، ويؤديها في المنزل، ويحلق لحيته.

لا أعلم ماذا أفعل! أبي يدمر العائلة بيده، وأنا أحزن جدا على أمي، التي تتحمل كل ذلك لأجلنا، كيف أتعامل معه؟ كيف يمكنني أن أجد القوة لأقول له ما ينبغي قوله؟ ما هي نصيحتكم لي وله؟ جزاكم الله خير الجزاء، ووفقكم لما يحب ويرضى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام بأمر الوالد، ونسأل الله أن يقر أعينكم بصلاحه وهدايته إلى الحق، ونسأل الله أن يهديه لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.

نكرر لك الشكر على هذا السؤال الذي يدل على اهتمام بأمر الوالد، ونتمنى أيضا أن تجتهدوا في إصلاحه، ولكن من المهم جدا عندما ينصح الإنسان لوالده أو لوالدته أن يعرف الأسلوب الصحيح والطريقة الصحيحة.

قدوة الناس في دعوة الآباء والأمهات هو خليل الرحمن -إبراهيم عليه السلام- الذي دعا والده إلى التوحيد، الذي لم يكن مشركا فقط، بل كان سادنا وسيدا وقائدا للمشركين وراعيا لأصنامهم، ومع ذلك فإن خليل الرحمن -إبراهيم عليه السلام- خاطبه بخطاب في منتهى اللطف، يظهر الشفقة، ويظهر الاهتمام له: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر) (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني) (يا أبت لا تعبد الشيطان) (يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) [مريم: 42-45] مع ذلك اشتد عليه الأب وأغلظ له في القول فقال: (يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) [مريم: 46] وعندها استمر إبراهيم في لطفه، بل قال له: (سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) [مريم: 47]، وقال: (وأعتزلكم) إذا كان نقاشي وكلامي معك يضايقك فأبتعد منك.

لذلك عندما نناقش الوالد أو الوالدة في أمر دين أو غيره، ويغضب الوالد أو تغضب الوالدة، علينا أن نتوقف فورا، ونبتعد، ثم نعود بصنوف من البر والإحسان، ثم بعد ذلك لا مانع من عرض النصح بطريقة وبأسلوب آخر، يغلفه بصفحات من البر والإحسان وإظهار الاحترام.

كما أرجو دائما ألا تدخلي في نقاش مباشر مع الوالد، فكثير من الآباء والأمهات يعتبرون أبناءهم صغارا، ولا يقبلون نصحهم، إذا تكلمت فعليك أن تقولي: "الشيخ ابن عثيمين قال كذا، والشيخ ابن باز قال كذا، والشيخ الفلاني قال كذا"، تذكرين المشايخ الكبار، حتى لا يظن أنك تعلمينه، وحتى لا يظن أنك تتكبرين عليه، وأنك تدعين العلم، فالشيطان له مداخل، وأيضا إذا غضب فلا تغضبي، يعني أنت لا تناقشي زميل دراسة أو زميلة لك في الدراسة، أنت تناقشين الوالد، وله حق الاحترام، ولذلك ينبغي أيضا عندما ننصح، أن نعرف كيف نوصل النصيحة، ومن الذي يوصل هذه النصيحة.

إذا كان الوالد -ولله الحمد- يقوم بما عليه من الإنفاق والإحسان المالي، وطبعا هذا جزء يسير جدا من المطلوب؛ لأن المعاملة الحسنة وحسن المعاشرة مقدم على هذا وأهم من هذا، فأرجو أولا أن تعرفوا له هذا الفضل، وأن تشكروه على هذا، واسألوا الله دائما له الهداية، وعلى الوالدة أيضا أن تتفادى النقاش معه في وجودكم، واشكري الوالدة، ونحن أيضا نشكرها على صبرها، ونتمنى أن تتفادوا جميعا ما يثير المشكلات مع هذا الأب، واجتهدوا دائما في أن تكونوا على علم بالأمور التي تسعده وتفرحه، فإن هذا مدخل جميل ومهم إلى قلبه.

أيضا من المهم أن تشجعوا الوالدة أن تقترب منه أكثر وأكثر، فإن الذي يتجاوز وينظر، ينبغي أن تنتبه زوجته إلى مزيد من القرب منه، فهي أجمل من رأى ولذلك اختارها، ولكن من الأمهات من تشغلها مهام البيت ومهام العيال (وكذا) عن أن تعطي زوجها ورجلها حقه، فأرجو أيضا أن يكون هناك انتباه لهذا الجانب، وأنت و-لله الحمد- في عمر يتيح لكم مساعدة الوالدة في بعض المهام، حتى تتفرغ هي لتكون مع الوالد، حتى في الوقت القليل الذي يقضيه معكم.

أرجو ألا تعتزلوه، وكونوا إلى جواره، ولاطفوه، وكما قلنا: ينبغي أن تفوتوا الأمور الصغيرة، فلا تقفوا عند كل صغيرة وكبيرة؛ لأنكم تخاطبون الوالد، وحقه واجب على الدوام، وإن قصر وإن أساء، ونسأل الله أن يهديه إلى الحق والخير والصواب، ونوصيكم بكثرة الدعاء له، ونسأل الله الهداية للجميع.

مواد ذات صلة

الاستشارات