السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا إنسان متزوج، وبعمر 35 سنة، كنت في أول حياتي صاحب همة وحيوية، لكن عندما وصلت لمستوى البكلوريا أصابني مرض نفسي، ووسواس قهري شديد، ولم أكن أعرف ما بي، حتى أهلي لم يعرفوا كيف يساعدونني، فقط كان التوبيخ منهم، حتى وصل الحال بي أني صرت أكرههم، وأكره نفسي، وتركت الدراسة، ولم أستطع أن أنجز تلك السنة الفاصلة بحياتي.
مما زادني إحباطا أني رأيت أصدقائي الذين كنت أنا أجتهد أكثر منهم قد أصبحوا بالجامعات، وبدأ مشوار الضياع في حياتي؛ لأني لم أعد أعرف ماذا أريد، وغصة تلك السنة لا تزال تكبر أوجاعها في قلبي؛ لأني حرمت كثيرا من الفرص؛ بسبب أني لا أملك شهادة بكلوريا.
التحقت بحلقة تحفيظ قرآن، وحفظت القرآن، وأخذت إجازة -الحمد لله- لكن أود أن أتعلم في مجال الفقه مثلا، أو أي مجال أستطيع أن أطور نفسي فيه، فقررت أن أرجع لتقديم البكلوريا بعد هذا السن، ومنذ ثلاث سنوات أقدمت عليها، فأنا أجتهد أول السنة وأتراخى بعد شهر أو شهرين، ولا أستطيع أن أصبر على الدراسة؛ لأن حياتي اليوم والتزامي يختلف عما كنت علبيه شابا بدون مسؤولية.
هذه المعطيات زادتني إحباطا، وأشعر في نفسي أني ناقص إذا لم آخذ البكلوريا وأكمل تعليمي، فهل أقتنع وأوقف هذا الطموح أو أجد شيئا آخر أنطلق فيه؟
لا أريد أن أبقى على الهامش، بل أريد شيئا أملأ به حياتي وأطورها، بما يشعرني بالإنجاز، ولأستمر في التطور رغم الفشل، وإن كان هناك شيء آخر انصحوني به؛ لأني أصبحت في تيه، وأكره نفسي، ولست راضيا عنها، لكن لا أدري ماذا أفعل؟
أريد نصيحة منكم، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسلام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا وأخانا- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والتواصل، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
نحب أن نؤكد لك ونتفق معك أن النجاح في الحياة لا يرتبط بدراسة معينة، ولا بوظيفة معينة، ولكن النجاح هبة من الفتاح، ولا أعتقد أن هناك نعمة أكبر من أن يحفظ الإنسان كتاب الله تبارك وتعالى، ويأخذ في ذلك أيضا إجازة علمية ليصبح من المهرة، ويمتد ويطور نفسه في هذا الجانب المهم جدا، والذي يعين الإنسان على المهمة التي خلقنا من أجلها.
قال ربنا العظيم: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، أما الأرزاق فقد تكفل بها الرزاق سبحانه وتعالى القائل: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها)، والإنسان لا بد أن يوقن أن ما قدره الله سيكون، وأن هذا الكون ملك لله، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، وقد أحسنت ببذلك للأسباب، ولكن ينبغي للإنسان أن يبذل على الأسباب، ويتوكل على الكريم الوهاب، ويرضى بما يقدره الله تبارك وتعالى.
إن الرضا بقضاء الله وقدره هو باب السعادة الأعظم، حتى قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار، أي: في ما يقدره الله، وقال عمر رضي الله عنه: لو كشف الحجاب ما تمنى الناس إلا ما قدر لهم.
اصطحاب مثل هذه المعاني سيجلب لك الرضا والطمأنينة، ومن حقك أن تحاول في المجالات التي تجد نفسك فيها، ولا مانع أيضا من الدراسة أو غيرها، الممنوع هو أن تتوتر، أن تنزعج إذا تعسرت أو إذا توقفت، فالإنسان عليه أن يبذل الأسباب، وهذا هو المطلوب منا.
أما أن يكتب للإنسان النجاح هنا وهناك، فهذا من تقدير الله تبارك وتعالى، والإنسان و-لله الحمد- يستطيع أن ينجح في ميادين الحياة، وقد أسعدنا أن تعطلك في دراسة معينة فتحت عليك باب الإقبال على كتاب الله وحفظه، وهذه من أعظم النعم على الإنسان في هذه الحياة. واعلم أن ربنا العظيم الكريم الوهاب إذا أخذ شيئا عوض بأشياء، وأن نعم الله مقسمة، وأن السعيد هو الذي يرضى بما يقدره الله.
السعادة كما يعرفها الفضلاء هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته، فاحرص على أن تملأ نفسك رضا وأمنا وأمانا وطمأنينة، ولا تتوقف عن بذل أي محاولات، في أي مجال تعتقد أنك تنجح فيه، فإنك تستطيع أن تفعل شيئا، واعلم أن الإنسان يؤجر على حسن نيته، وعلى محاولاته، فاحتسب كل ذلك عند الله تبارك وتعالى، وأبشر بالخير من الله.
إذا جاء الشيطان ليذكرك بما حصل من الماضي، فتعوذ بالله من شره، واعلم أن هم هذا العدو هو أن يحزن أهل الإيمان، ولكن قال العظيم: (وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله).
نسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعيننا أيضا على معرفة نعم الله علينا، نؤدي شكرها، فإن الإنسان إذا شكر ما عنده من النعم نال المزيد، والشكر هو الجالب للنعم، والشكر هو الحافظ لما عندنا من النعم.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا له شكارين، ذكارين مطواعين، وأن يكتب لك التوفيق والسداد والنجاح والطمأنينة في الحياة.