أصابني إحباط شديد لعدم دخول كلية الطب!

0 13

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ الصغر وأنا أسعى للحصول على قبول في كلية الطب، لم يتحقق هذا الأمر، منذ ذلك الوقت كل أحلامي تبخرت! أصبحت عصبيا، وأغلب الوقت أشعر بالضيق، وأصبحت صلاتي غير منتظمة، وكأن حياتي انقلبت 180 درجة، وكلما أفعل شيئا لا أجد مردودا!

اقترح علي بعض الأصدقاء أن أذهب إلى راق، فتوكلت على الله وذهبت، فقال لي: أنت وأسرتك مسحورون، والصراحة أنا غير مؤمن بهذه الأمور، وأريد حلا؛ لأن الأمر بدأ يدمر حياتي، حتى أصبحت أفكر في الانتحار -والعياذ بالله- لا أريد أن أصل إلى هذه المرحلة!

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

نعم -أخي الفاضل- إن الحياة نعمة عظيمة من الله -عز وجل- وأنا أحمد الله تعالى على أن ألهمك بالكتابة إلينا، لنحاول معا أن نخرج من هذه الحالة التي أنت فيها.

أخي الفاضل: نعم، يمكن للإنسان أن يكون لديه حلم كحلمك في الدخول لكلية الطب، إلا أن الرياح أحيانا تجري بما لا تشتهي السفن، وإن الصفة النفسية الأهم عند الإنسان -وهي مؤشر جيد على الصحة النفسية- هي القدرة على التكيف بالمعطيات الجديدة والواقع الجديد، وهذا الأمر لا ينطبق عليك أنت فقط، كلنا يتمنى شيئا، ولكن الذي قد يحصل ربما شيء آخر، فعلينا أن نتكيف مع الواقع الجديد، ونتابع الحياة بشكل آخر، غير الصورة التي كنا قد وضعناها في أذهاننا.

أخي الفاضل: لم أعرف من خلال سؤالك المختصر هذا ما هي البدائل المتاحة لك، إن لم تتيسر لك كلية الطب، فما هي البدائل؟ وهل تجد نفسك في إحدى التخصصات الأخرى؟

أخي الفاضل: لا تنس أن مجتمعاتنا كثيرا ما توجه الإنسان إلى كلية الطب أو الهندسة، ليس لأن هذا يناسب ذلك الشخص، وإنما بسبب النظرة الاجتماعية لهذه التخصصات، والحقيقة أن كل التخصصات فيها خير، والمجتمع يجب أن يكون متوازنا، تتوفر فيه كل المهن، وكل التخصصات، وإلا لن نستطيع أن نعيش الحياة الاجتماعية الهانئة.

أخي الفاضل: لتخرج من هذه الدوامة التي أنت فيها، والتي أوصلتك -والعياذ بالله- إلى التفكير بالانتحار، وإن كنت أدرك أنك تشعر بخطر هذا الأمر، وتشعر بمسؤوليتك أمام الله -عز وجل- ولن تؤذي نفسك -بإذن الله تعالى- ولكن للخروج من هذه الدوامة أنصحك بأن تتحدث مع أحد تثق به، سواء أستاذا أو موجها لك، تتبادل معه أطراف الحديث، ليوجهك؛ فأنت لست أول إنسان ولا آخر شاب تمنى كلية معينة ولم يتمكن من دخولها، ودوما هناك بدائل، ولعل من تستشيره يمكن أن يوجهك إلى بدائل أخرى.

من طرفي: هناك في الجامعات ليس فقط كلية الطب، ولكن هناك تخصصات أخرى قريبة أو بعيدة عن كلية الطب، يمكن أن تنظر فيها، وتسأل نفسك: هل تجد نفسك في أحد هذه الأقسام الجامعية؟ فإذا كان فنعم بها.

المهم -أخي الفاضل- أن تعيش حياتك {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} بالمفهوم العام للعبادة، بالإضافة إلى الشرائع والصلاة وغيرها، والأمور الأخرى التي تنفعك وتنفع الناس والمجتمع.

وإذا لم تجد من تستشيره، فليس هناك ما يمنع من أن تأخذ موعدا مع أحد الأخصائيين النفسيين، فزيارة العيادة النفسية ليست فقط لعلاج الأمراض النفسية، وإنما أيضا في مثل هذه المواقف التي أنت فيها.

فأرجو ألا تتأخر أو تتردد في اتخاذ الخطوة الأولى للمستشار أو للخطوة الثانية في العيادة النفسية، داعيا الله تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويعينك على التكيف مع الظروف الواقعية، ولا تنسنا -أخي الفاضل- من دعوة صالحة في ظهر الغيب.
---------------------------------------
انتهت إجابة: الدكتور مأمون مبيض -الأخصائي النفسي-،
تليها إجابة: الشيخ أحمد الفودعي -الأخصائي الاجتماعي الأسري-.
---------------------------------------
نرحب بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يقدر لنا ولك الخير حيث كان، ويرضنا به.

ونحن نقدر -أيها الحبيب- مدى الضيق الذي تعيشه، ولكننا في الوقت نفسه نعتب عليك أن تقع في كل هذا الضيق والمعاناة وأنت من أهل الإسلام الذين يقرؤون القرآن، فبين يديك أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على عباده، وهي سر السعادة وبوابتها؛ فإن غيرك من البشر يتخبطون لأنهم لا يؤمنون بهذا الهدى والنور الذي بين أيدينا، والقرآن الكريم عالج مسألة القدر بما يورث النفس الإنسانية الطمأنينة والراحة والسكينة، إذا آمنت بهذا القرآن وصدقت به وفهمته على وجهه الصحيح؛ فالإيمان بقدر الله تعالى جنة عاجلة في هذه الدنيا، لما يعيشه الإنسان حين يؤمن بقدر الله من الطمأنينة والسكينة والراحة.

والقرآن -أيها الحبيب- أخبرنا بأن الله -سبحانه وتعالى- قد كتب مقادير الخلائق وقدر مقاديرها، وأنبأنا أنه أخبرنا بهذا كي لا نعيش حسرات وآهات إذا فاتنا شيء مما نحب، فإننا ندرك حينها أنه فاتنا بتقدير الله تعالى، فالله تعالى هو الذي قدر وأراد أن يصرف عنا ذلك الشيء؛ ولذلك لا نرجع على أنفسنا بالعتاب واللوم؛ لأننا لم نفعل شيئا نستحق أن نعاتب أنفسنا عليه، هذا من جانب.

ومن جانب آخر: يخبرنا القرآن عن أن هذا المدبر الكريم إنما يدبر أمورنا بكامل الرحمة واللطف، وأن أفعاله -سبحانه وتعالى- كلها جارية بمقتضى الحكمة، فلا يفعل شيئا عبثا، ومع كل هذه الصفات الإلهية هو سبحانه وتعالى أرحم بنا من أنفسنا، ولك أن تتصور حينها كيف سيكون هذا التصرف الذي يصدر عن عليم خبير رحيم، أرحم بهذا الإنسان من نفسه وأبيه وأمه، قدير، لا يعجزه شيء، غني لا يحتاج إلى شيء، جواد كريم، ليس لجوده حد.

فهذا الكريم -سبحانه وتعالى- المتصف بهذه الصفات هو الذي يقدر لك مقاديرك، فحينها ينبغي أن تتوكل عليه، وتفوض أمورك إليه، وتعلم أنه سبحانه وتعالى لا يختار لك شيئا إلا لعلمه سبحانه وتعالى أن الخير فيما يختاره لك، وأنه لا يعجزه أن يعطيك ما تتمنى، ولكنه يصرفه عنك لحكم أخرى، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {‌وعسى ‌أن ‌تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

فأنت لا تعلم النهايات والعواقب، وما يدريك أن كلية الطب كانت هي الخيار الأفضل بالنسبة لك أنت؟! وما يدريك أنك كنت ستجني من ورائها خيرا لو دخلتها؟!

فلا ينبغي إذا أن تذهب نفسك حسرات، وتقطع قلبك الآهات، بعد إيمانك بهذه العقيدة العظيمة، عقيدة الإيمان بقدر الله تعالى.

نحن ننصحك ونؤكد ما نصحك به الدكتور مأمون أن تلتفت إلى الحياة من جديد، وأن تأخذ بالأسباب، وتحرص على ما ينفعك بحسب جهدك، وتفوض الأمور إلى الله، وتتوكل على الحي الذي لا يموت، كما قال الله تعالى في كتابه.

أما ما أوهمك به هذا الراقي من أنك وأسرتك وقعتم تحت تأثير سحر أو غير ذلك؛ فهذه في غالبها أوهام، وهذه الأوهام هي أعظم أسباب ضعف النفس الإنسانية ووقوعها تحت هذه المعاناة، فلا تلتفت لهذا، وكثير من الناس يتاجرون بمعاناة الآخرين، ويتاجرون بأوهامهم أيضا، فتوكل على الله، وأكثر من ذكر الله، وداوم على أداء الفرائض في أوقاتها، وحاول أن تحرص على الأذكار خلال اليوم والليلة، ولا بأس أن ترقي نفسك بنفسك، فإن الرقية تنفع، سواء كان الإنسان مصابا بشيء أو غير مصاب.

نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يوفقك لكل خير. والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات