السؤال
السلام عليكم.
في البداية أود أن أشكركم على هذا الموقع المفيد، والذي يقدم مساعدات قيمة جدا، أنا شخصيا انتفعت بالكثير من فتاويكم وإرشاداتكم.
أنا أعاني من مشكلة اجتماعية، وتحديدا وسط عائلتي، إذ دائما ينقصون من قيمتي، ويجعلونني محل سخرية، ويطلقون النكات علي ليضحكوا، على الرغم من أني بالغة، ولي مستواي العلمي، ومحترمة، وهادئة، لا أؤذي أحدا، وأخاف على مشاعر الناس.
أحيانا أرد عليهم، ولكن لا يهتمون لجوابي، ويستمرون في الضحك، وأحيانا أسكت، وفي كلتا الحالتين لا يعيرونني أي انتباه أو احترام، وعندما أحزن يجعلونني أنا المخطئة، وأنا التي لا أعرف حس الدعابة!
وليس هذا فقط، فهم دائما يعطونني كل ما هو قليل، وصغير، وأقل قيمة، وخاصة عندما تكون كل العائلة مجتمعة، أو في المناسبات، مع أن عمري 23 سنة، أي أستحق الاحترام مثل أي شخص بالغ!
وهذه التصرفات تأتيني من أناس كبار: كخالاتي، وأخوالي، وأختي، وحتى جدتي في بعض الأحيان، وجميعهم متعلمون، وذوو مكانة اجتماعية محترمة، وهذا الأمر يجعلني دائما حزينة، ومظاهر الانزعاج والحزن تبدو على وجهي بدون قصد عندما أتعرض لموقف مشابه، فينعتونني بالمكتئبة، ودائمة الحزن، لذلك لا أحب التواجد بينهم، وهذا يجعلني أحس بالوحدة كثيرا؛ لأنهم الوحيدون في حياتي، والذين أتواصل معهم، لأنه ليس لدي أصدقاء كثر، وأصدقائي لديهم حياتهم الخاصة.
في الحقيقة لم أعد أعلم هل المشكلة بي؟ هل أنا حساسة زيادة عن اللزوم؟ أم أنهم حقا هم المخطئون؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك ثقتك وسعيك للحصول على النصح والإرشاد.
ما تطرحينه من مشكلة اجتماعية هو موضوع حساس، ومعقد، ويدعو للتفكر في عدة جوانب، منها: النفسية، والاجتماعية، والدينية.
سنحاول مساعدتك بتقديم نصائح وتوجيهات تستند إلى هذه الجوانب.
الجانب النفسي:
من الناحية النفسية: من المهم أن تعترفي بمشاعرك، وأن تكوني صادقة مع نفسك حول كيفية تأثير هذه المواقف عليك؛ فمن الممكن أن تكوني شخصا حساسا، ولكن هذا لا يعني أن مشاعرك ليست مبررة، أو أن تصرفات الآخرين تجاهك مقبولة، وفيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها:
1. يجب عليك أن تحددي ما هو مقبول بالنسبة لك، وما هو غير مقبول، ويمكنك التحدث بهدوء وصراحة مع أفراد عائلتك عندما تشعرين بأنهم يتجاوزون حدود الاحترام.
2. حاولي التعبير عن مشاعرك بوضوح وبدون اتهام، مثلا، يمكنك قول: "أنا أشعر بالألم عندما تقال هذه النكات عني، وأتمنى أن نتحدث ونضحك دون اللجوء للسخرية".
3. حاولي أن تعملي على تعزيز ثقتك بنفسك من خلال الأنشطة التي تحبينها، والتواصل مع أشخاص يقدرونك ويحترمونك.
الجانب الاجتماعي:
من الناحية الاجتماعية: من المهم أن تكوني على دراية بأهمية بناء علاقات صحية ومحترمة، وإليك بعض النصائح:
1. حاولي توسيع دائرة علاقاتك من خلال الانضمام إلى مجموعات، أو نواد تهتم بنفس اهتماماتك، قد تجدين هناك أشخاصا يقدرونك ويشاركونك اهتماماتك.
2. إذا استمر الأذى من قبل أفراد العائلة، ولم تنجح محاولاتك لتحسين الوضع، قد يكون من الأفضل أن تقللي من تواجدك معهم لفترة من الزمن، وذلك للحفاظ على صحتك النفسية.
الجانب الديني:
من الناحية الدينية، تعلمين أن الإسلام يحث على الاحترام والتقدير بين الناس؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (رواه البخاري ومسلم)، وينبغي أن يصل هذا المفهوم بطريقة أو بأخرى إلى عائلتك.
1. الجئي إلى الله بالدعاء بأن يهدي عائلتك، وأن يلهمك الصبر والحكمة في التعامل معهم.
2. تذكري أن الصبر على الأذى يعتبر من الأعمال الصالحة، وقد يكون هذا الأذى اختبارا لك لرفع درجاتك عند الله، قال تعالى: ﴿یـٰۤأیها ٱلذین ءامنوا۟ ٱصۡبروا۟ وصابروا۟ ورابطوا۟ وٱتقوا۟ ٱلله لعلكمۡ تفۡلحون﴾ [آل عمران ٢٠٠].
3. حاولي تجنب الرد بسلبية، وبدلا من ذلك كوني دائما لطيفة ومتواضعة في ردودك، فقد يكون لذلك تأثير إيجابي على من حولك، وتذكري قول الله تعالى: ﴿ولا تسۡتوی ٱلۡحسنة ولا ٱلسیئةۚ ٱدۡفعۡ بٱلتی هی أحۡسن فإذا ٱلذی بیۡنك وبیۡنهۥ عد ٰوةࣱ كأنهۥ ولی حمیمࣱ﴾ [فصلت ٣٤].
أخيرا: مشكلتك ليست نابعة من كونك حساسة أكثر من اللازم، بل هي نتيجة تصرفات غير لائقة من الآخرين، ومن المهم أن تعملي على تحسين ثقتك بنفسك، وتحديد حدودك الشخصية، بالإضافة إلى اللجوء إلى الله بالصبر والدعاء، وأن تحاولي بناء علاقات جديدة وصحية قد تكون مصدرا للدعم والاحترام الذي تحتاجينه.
نسأل الله أن ييسر لك الأمور، ويعينك على تجاوز هذه المحنة، وأن يرزقك الراحة والسعادة في حياتك.