السؤال
السلام عليكم.
والداي منفصلان، ومنذ صغري أعيش في بيت أهل أمي، وبحكم أنها تعمل، فقد تولت جدتي جزءا من تربيتي في بداية عمري.
بعد أن كبرت قليلا بدأت ألاحظ سوء معاملة الأخوال والخالات، بمن فيهم الوالدة لجدتي، وذلك من رفع الصوت، أو طريقة الحديث نفسها، وإشعارها بالجهل، والتعجب من رأيها أحيانا، مع أن -العاملين منهم- يعطونها مبلغا من المال شهريا، ويشترون لها الهدايا في بعض المناسبات، وهذا بلا شك من صور البر المادية.
ولكنهم فيما أرى يفتقرون لتلك المعنوية، بل وكأنهم يتنافسون فيما بينهم على سوء معاملتها -عياذا بالله-، أنا هنا لا أتهمهم، ولكن أحكم بما شاهدت، وما يزيدني ألما هو الفرق الشاسع في تعاملهم مع والدهم، رغم أنه أغلب الوقت ليس متواجدا في المنزل.
سبق وحدثت والدتي عن الموضوع مرارا، وأن هذا لا يصح، فتتحسن لبضعة أيام، ثم تعود كما كانت، وفي آخر مرة ذكرت لي بأن ذلك أصبح كرد فعل تلقائي منهم بسبب قسوة معاملتها لهم في صغرهم، ولكنني في الحقيقة لم أقتنع بذلك التبرير؛ لأنه في ذلك الزمن لم يتوفر مستوى التعليم الكافي، وخصوصا للنساء، فابتكرن أساليب تربية خاصة بهن، ولولا الله ثم هي لما وصلوا -أهل أمي- إلى هذه السمعة الطيبة، والوجاهة لدى الناس.
أقنع نفسي بأنه ليس هناك بيت مثالي، وأني أبالغ، وأحاول التغاضي، ولكن أحيانا من شدة انزعاجي يختلف تعاملي مع والدتي، وأبكي بحرقة إذا ما اختليت بنفسي، بل وأصبحت أتهرب من الجلوس معهم؛ لئلا أشاهد تلك المواقف.
مشاعري تمزقني بين إيثار حبي لأمي وحبي لجدتي -أطال الله أعمارهن على طاعته-، علما بأني الحفيدة الكبرى، وليس لدي أشقاء، أحاول ما استطعت أن أكون بارة بهما، والتخفيف عن جدتي مما تلاقيه من أبنائها -أصلحنا الله وإياهم-.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ح س حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يرزقك بر أهلك اليوم، وأولادك غدا، إنه جواد كريم.
أختنا: نحمد الله إليك هذه اللفتة الهامة التي تغيب عن أذهان البعض، مع أنها المرادة من قول الله تعالى: (وقل لهما قولا كريما)، والقول الكريم هو الذي لا أذى فيه، ولا من يلحقه، والمتأمل لآيات سورة الإسراء يلاحظ اهتمام القرآن جيدا بهذا البعد النفسي، قال الله تعالى: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا * ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا)، أف هذه كناية عن التضجر، والمعنى لو أنفذت مطلبهما وأنت متضجر من ذلك فقد أسأت، ثم بعد كل تلك القيود الهائلة في التعامل، قال الله تعالى: (ربكم أعلم بما في نفوسكم) والمعنى: أن التغيير، والإصلاح والبر يجب أن يتوازى ظاهرا وباطنا معهم.
أختنا الفاضلة: إننا لا نتهم الوالدة -حفظها الله-، ولا أحدا من أهلك، فقد ذكرت أنهم يحفظون برها ماديا، وهذا يعني أن السلوك الحاصل ليس مقصودا منه العقوق، وإنما هو سلوك خاطئ غير مقصود، لذا ننصحك -أختنا- بما يلي:
1- الحديث مع الجدة طويلا؛ حتى تحدثك هل هي غاضبة من أمك أم لا، ومهمتك أن تزيلي أي التباس، وأن تعطي لها الانطباع الجيد، وأن تبرزي لها محاسن والدتك، وأخوالك تجاهها، وحبهم العميق لها، وكل هذا سلوك جيد منك، حتى لا يتغير قلبها على أحد.
2- الحديث إلى الوالدة والأخوال بطريق مباشر أو غير مباشر عن البعد النفسي في البر، ولا تملي الحديث معهم؛ فالاستقامة وإن كانت أياما بعد الحديث سيكون لها مردود فعلي بعد ذلك.
3- لا تنعزلي عنهم، بل على العكس كوني معهم في كل دقيقة، واعلمي أن الانتقاد المثمر هو ما يكون بين فضلين، بمعنى أن تذكري بعض محاسنها، ثم التنويه السريع بما تريدين، ثم العودة إلى المحاسن مرة أخرى.
وأخيرا: الدعاء لهم جميعا بالصلاح؛ فإن الدعاء سهم صائب، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك فيك، والله الموفق.