السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 20 سنة، كنت مهووسا بالمذاكرة، سواء تعليما ذاتيا، أو تعليما أكاديميا، والجميع كانوا يعتقدون بأني ذكي، علما بأني أصلي جميع الصلوات ما عدا الفجر أصليها متأخرا في الصباح -وأستغفر الله-؛ بسبب أني مصاب بالاكتئاب، وكانت تأتيني آلام الصدر كلما فكرت بالمذاكرة.
ذهبت إلى الطبيب، وقال: هذا وهم، وأعطاني دواء للقلق، وعند المذاكرة تراودني أوهام بالموت، وأن الله سوف يعذبني بأمراض، وأنا خائف من أن يبتليني الله مثلما ابتلى الصالحين، وخائف من معصيته فيبتليني.
ماذا أفعل الآن وأنا لا أستطيع مسك الكتاب ساعة واحدة؟ وفي السابق كنت أذاكر 9 ساعات، وتعرضت لصدمات، وتراودني الوساوس بأن الابتلاء باق ولا مهرب منه، هل هو عين، أم مرض نفسي؟
أفيدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء، ونقدر ثقتك في هذا الموقع.
رسالتك واضحة جدا، وبادئ ذي بدئ أنا أقول لك: ليس أبدا من الضروري أن يكون الإنسان مهووسا بالمذاكرة أو التعليم، فقط المطلوب هو أن يعطي الإنسان التعليم والمذاكرة الوقت الكافي، الوقت الذي يجعله يستوعب العلوم التي يدرسها، وهذا يتحصل عليه الإنسان من خلال حسن إدارة الوقت، والذي يدير وقته يدير حياته، وإذا أسرف الإنسان في شيء فلا بد أن يكون ذلك على حساب أشياء أخرى، وربما يكون هوسك للمذاكرة هذه والسهر هو الذي يؤخرك عن صلاة الفجر.
أخي الكريم: ما يسمى بالاكتئاب النفسي: كثيرا من الأحيان يكون هو مجرد مشاعر سلبية، وليس أكثر من ذلك، والإنسان لا بد أن يغلب الجوانب الإيجابية في حياته على الجوانب الإيجابية.
من الناحية السلوكية الإنسان هو عبارة عن مثلث يتكون من ثلاثة أضلاع: الضلع الأول: هو ضلع الأفكار، والضلع الثاني: هو المشاعر، والضلع الثالث: هو الأفعال؛ ويا أخي: يمكن للفكر السلبي أن نغيره إلى فكر إيجابي، وكذلك الشعور، وكذلك الأفعال، والإنسان يجب أن يحرص على ضلع الأفعال، بمعنى أنه مهما كانت المشاعر، ومهما كانت الأفكار سلبية يجب أن نحرص على الأعمال والأفعال، يجب أن ننجز واجباتنا، ومن خلال الإنجاز للواجبات سوف يتحسن المزاج، وتتحسن المشاعر، وهذا طبعا يؤدي إلى مزيد من الإنجاز في ما يتعلق بالأفعال.
فيا أخي الكريم: هذه هي المعادلة الصحيحة التي يجب أن تجعلها منهجا في حياتك، -الحمد لله- أنت إنسان فيك الكثير من الخير، فأنت تصلي كل الصلوات، وصلاة الفجر يجب ألا تتأخر عنها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى البردين دخل الجنة"، والبردان هما الغداة والعشي، والمراد بهما صلاة الفجر والعصر؛ سميا به لطيب الهواء وبرده فيهما لكونهما في طريق النهار، يعني من داوم على أداء هاتين في وقتهما "دخل الجنة"، والله تعالى يقول: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه، فيكبه في نار جهنم".
فيا أخي: صلاة الفجر لها أهميتها، ولها عظمتها التي يجب أن يستشعرها الإنسان، والإنسان إذا عظم الشيء في نفسه يستطيع أن ينجزه، وأعتقد أنك بآليات بسيطة لتنظيم الوقت تستطيع أن تصلي صلاة الفجر في المسجد ومع الجماعة، ومن ذلك:
أولا: تجنب السهر، عليك بالنوم الليلي المبكر، تجنب السهر والنوم مبكرا سوف يفيدك كثيرا في كل شيء، سوف يؤدي إلى ترميم كامل في خلايا الدماغ، سوف تستيقظ مبكرا في وقت الصلاة، وتحس أنك نشط ومقبل على الحياة، وتؤدي الصلاة في وقتها، وبعد أن تقرأ وردك القرآني، وتؤدي أذكار الصباح ابدأ بالمذاكرة؛ لأن المذاكرة لساعة واحدة في فترة الصباح تعادل على الأقل ثلاث ساعات في بقية اليوم، هذا أمر مؤكد ومعروف.
ودائما الإنجاز في الصباح يحسن الدافعية عند الإنسان، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "بورك لأمتى في بكورها"، وكان يقول: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" وكان إذا بعث سرية، أو جيشا بعثهم في أول النهار.
أريدك أن تستفيد من البكور، أريدك أن تنجز في الصباح، وسوف تجد أن بقية اليوم قد أصبح سلسا، وأصبحت -إن شاء الله تعالى- فرحا مسرورا، ومقبلا على الحياة بكل إيجابية.
إذا من خلال هذا المنهج -منهج تنظيم الوقت والذي يقوم فقط على تجنب السهر والاستيقاظ مبكرا- سيكون حلا رائعا جدا بالنسبة لك، ولا بد أن تضع جدولا زمنيا لإدارة الوقت، جدول يومي يمكن أن تكتبه في ورقة، أو تجعله مجرد خارطة ذهنية تنفذها، ويجب أن تستمتع بحياتك من خلال تنظيم الوقت هذا.
أخي الكريم: القيام بالواجبات الاجتماعية أيضا نعتبره أمرا ضروريا، والترفيه عن النفس بما هو طيب وجميل، وممارسة الرياضة، وأداء الصلوات في وقتها؛ هذه كلها الآن أصبحت من متطلبات الحياة الصحية السليمة، خاصة من الجانب النفسي.
أخي الكريم: هذه الأفكار الوسواسية السلبية حول أوهام الموت وأن الله يعذبك بهذه الأمراض، هذا كله مجرد وسواس، هذا فكر يجب أن يرفض، ويجب أن يحقر، فأنت -إن شاء الله والحمد لله- بخير، وعليك بصحبة الصالحين، كن بارا بوالديك، وإن شاء الله تعالى تنفرج الأمور أمامك تماما.
ولا بأس أن تتناول أحد مضادات الاكتئاب ومحسنات المزاج، هنالك أدوية كثيرة، أنا متأكد حين تذهب إلى الطبيب النفسي سوف يصف لك الدواء المناسب، ومن أفضل هذه الأدوية الدواء الذي يسمى (اسيتالوبرام).
أخي الفاضل: أنا أعتقد أن حالتك حالة نفسية وليس أكثر من ذلك، وأنا أؤمن بأن العين حق ولا شك في ذلك، وما دمت حريصا على صلواتك وأذكارك ووردك القرآني؛ فلن يصيبك أي شيء -بإذن الله تعالى-؛ لأن الله خير حافظا.
وللفائدة راجع هذه الروابط: (273811- 2222148).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.