السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عانيت في حياتي كثيرا، منذ طفولتي حتى هذه اللحظة، فأنا شخصية حساسة، أتأثر بأقل شيء، لم أحظ باهتمام أو حب منذ كنت طفلة، في مراهقتي ارتكبت الكثير من الأخطاء بسبب حاجتي للاهتمام، وما زلت أتذكرها حتى اليوم، وتؤذيني جدا.
أنا وحدي تماما ليس معي أحد، انطوائية لأبعد حد، لا يتم لي أمر إلا بصعوبة شديدة، تمنيت أن أتزوج أحدا يحبني، لكن لم يتم الأمر، وكلما تقدم أحدهم ينتهي الموضوع بسرعة، وبغرابة أحيانا، حتى قبل أن يبدأ، كأن تخبرني إحداهن أن هناك شخصا مناسبا ثم ينتهي الموضوع، ولا تعود تحادثني فيه أبدا.
هذا الأمر تكرر أكثر من أربع مرات، لا أحب نفسي، أقسو عليها، وأسخر منها، وأؤذيها، لم أسامحها يوما على أي خطأ ارتكبته، ليس لدي ثقة في نفسي، لا أتقبل شكلي، لدي وسواس قهري، ودائما أحلم بأشياء تذكرني بأخطائي، فأظل في حالة نفسية سيئة عدة أيام.
تعرضت للإهانة والتنمر والسخرية مرات عديدة، ومن أشخاص مقربين، ومررت بتجربة جدا قاسية من الابتزاز والتهديد، لدي رهاب اجتماعي من أثر تلك التنمرات، وتأتيني نوبات هلع كلما تذكرت الأمر، وما خفف عني كل هذا هو قربي من الله، والمداومة على صلاتي، وقراءة القرآن.
ما كتبت لكم لأجله هو أني أنظر لمن حولي، وأتمنى ما عندهم، وأحيانا أتمنى زواله، لكن أحاول ردع نفسي، لكني لا أستطيع التحكم في الأمر، أبكي وأكره نفسي أكثر بسبب ذلك.
أيضا لا أتعاطف مع أحد، ولا أشعر بمعاناة أحد، بل أحيانا أفرح بمصابهم، وهذا يؤلمني، لماذا أنا هكذا؟ وكيف أتوقف أو أعالج هذا الأمر؟
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aisha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، والذي قرأته أكثر من مرة.
أختي الفاضلة: أولا: أحمد الله تعالى على قربك منه سبحانه وتعالى، وعلى مداومتك على صلاتك، وقراءة القرآن -بارك الله فيك-.
ثانيا: إن كل ما تعانين منه، ومما ورد في سؤالك من الانطوائية، ونوبات الهلع والرهاب الاجتماعي، وعدم تعاطفك مع الآخرين، وربما الشعور بتمني ما عندهم، كل هذا بسبب تجارب الطفولة.
نحن بشكل عام نتيجة الأيام والأشهر والسنين التي عشناها في طفولتنا، وقد وصفت ما يمكن أن يفسر كل هذا مما عانيته في طفولتك ومراهقتك، من أنك وحدك ولم تتلقي الرعاية الهامة، إن الطفل في حاجة أساسية -كما هو يحتاج للطعام والماء والهواء-؛ فهو أيضا في حاجة إلى المحبة والرعاية والاحتواء، كل هذا حرمت منه في الطفولة، لذلك ينعكس على علاقتك بنفسك، وعلاقتك بالآخرين، وعلاقتك بالحياة كلها.
أختي الفاضلة: عبارة جميلة تساعدك على التخلص مما تعانين منه، تقول هذه العبارة (نحن لسنا أسرى لماضينا) فمهما كان الماضي صعبا يمكننا أن نحرر أنفسنا منه، صحيح ليس سهلا إلا أنه ممكن، فعله كثيرون قبلك، وسيفعله كثيرون غيرك.
أختي الفاضلة: إن أول ما يمكن أن تبدئي به بعد الإقبال على الله عز وجل -والذي أنت قائمة به والحمد لله- هو أن تقدري نفسك التي بين جنبيك، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا بقوله: (إن لنفسك عليك حقا).
إذا أنت لم تقدمي الرعاية والحب والحنان والاحتواء لنفسك فربما لا يفيد أن ننتظر الآخرين يقومون بكل هذا، والله عز وجل كرمنا في هذه الحياة، حيث يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)، فأنت مكرمة عند الله عز وجل، وخاصة بقربك منه سبحانه وتعالى.
أختي الفاضلة: دعي ما حصل في الماضي وراء ظهرك، وانظري إلى الأمام، أنت في هذه السن من ريعان الشباب يمكنك بعون الله عز وجل، وصدق العزيمة أن تتخلصي مما عانيت منه في الماضي، وتقبلي على الحياة بهمة وشغف وحب لنفسك أولا، ومن ثم للآخرين وللدنيا، وكما يقال: (كن جميلا تر الكون جميلا).
بالإضافة إلى العبادة التي أنت قائمة بها أصلا، أضيفي إليها العناية بنفسك من ناحية النشاط البدني، والتغذية المناسبة، وساعات النوم المطلوبة، والقيام بالأنشطة التي ترتاح لها نفسك.
كنت أحب لو تكلمت عن ماذا تفعلين في ساعات يومك؟ فحاولي أن تملئيها بما يفيد، وستكون هذه اللحظة نقطة انطلاق في حياتك، تقبلين على الحياة بالشكل الذي تحبين.
أدعو الله تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويلهمك صواب الخطوات التي ستقومين بها لتخرجي كالفراشة عندما تولد ولادة جديدة، ولا تنسينا من دعوة صالحة في ظهر الغيب.
وبالله التوفيق.