استشفاف مشاعر الآخرين والغوص في أعماقهم

0 339

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري، أعاني من مشكلة رئيسية نتج عنها مشكلات فرعية أخرى، فأنا -ولله الحمد- أتميز بصفة متأكدة من وجودها داخلي، لكن عدم إدراك أي شخص من حولي لها جعلني أشك بوجودها، وهي أنني عندما أرى أي شخص أمامي، حتى لو كنت أقابله للمرة الأولى، أشعر بما يشعر به من الداخل، أي حزن أو فرح، رغم أن ما أظهره للناس يكون مخالفا، لكنني أستطيع الوصول لأعماقهم وإدراك حقيقة شعور من هم حولي من الناس، حتى من دون أن يتكلموا.

المشكلة الكبرى أنني أحزن لمن حولي وأفرح لهم، أي أشعر بشعورهم، بغض النظر عن ما أنا فيه من حزن أو سعادة، لكن للأسف لا يوجد أي شخص حولي يفهمني أو يدرك أي جانب من شخصيتي، وحتى أقرب المقربين لي لا يعلمون بشخصيتي، فعندما أسألهم عن رأيهم في شخصيتي لا يتمكنون من قول أي شيء عني، فلا أعلم ما السبب؟ هل لأنني غامضة؟ أم لا أتكلم كثيرا؟ أو لبراعتي في إخفاء مشاعري؟

فأنا غالبا لا أكون حزينة مع أنني من الداخل محطمة، وأنا أيضا لا أبكي، لأنني عودت نفسي منذ الصغر على مسح دموعي عندما أبكي، لأنني أعتبر الدموع ضعفا، حتى أصبحت لا أبكي أبدا، مع أنني حساسة لأقل كلمة تقال لي، لكنني لا أظهر ذلك، وفي نفس الوقت لا أستطيع البكاء، وكل الحزن والألم الذي أشعر به أحبسه في داخلي، والناس يعتقدون أني عديمة الإحساس! لأنني لا أبكي ولم يستطع أي أحد أبدا أن يدرك أي جانب من شخصيتي سواء حساسيتي أو إحساسي بالناس، لذلك أشعر بوحدة قاتلة، فأنا عندما أتضايق لا أجد من أبوح له بحزني وألمي، فأشعر بوحدة قاتلة، مع أن جميع أقربائنا يلجئون إلي في مشاكلهم وأقف إلى جانبهم بكل استطاعتي وأساعدهم، وكلهم أكبر مني سنا، وكل الحزن الذي يشعرون به ينتقل إلي، وطبعا لا أستطيع التخلص منه، وظهرت نتيجة كل هذا الحزن في داخلي إلى الخارج، فأنا منهكة دائما، ولست قوية أبدا من ناحية الجسد، وإذا ما بذلت مجهودا قليلا أتعب فورا، ولا أعلم ما الحل، حتى أني لجأت للكتابة عن ما يضايقني لكن لا أمل! فلا شيء يساعدني، ولكن بدون فائدة تذكر.

وكذلك مشكلة زيادة وزني التي نتجت عن إقبالي على الطعام حتى أرتاح من الألم، ولكن بعد تناولي للطعام أتضايق أكثر فأكثر، هي ليست زيادة بمعنى الزيادة، فأنا طولي 163 أو 164 ووزني 57، ولكنني أحاول أن أنحف 6كغم، ومنذ 3 سنوات ولا أستطيع، وهذا ما فاقم مشكلتي وما أهتم به الآن أنني مقبلة على سنتي الأخيرة والمهمة في المدرسة، أي التوجيهي، ويجب أن أحصل على معدل عال، لأنني أفكر في دراسة الطب ( تقديري في المدرسة منذ دخولها إلى الآن دائما أحصل على ممتاز )، ولكن مشاكلي ازدادت في هذه العطلة، وأخشى من تأثيرها على دراستي، إلا أني إن لم أحصل على معدل جيد فستكون نهاية أحلامي كلها، فأنا كنت أنتظر بفارغ الصبر قدوم هذه السنة حتى أدرس الطب، ويصبح لحياتي معنى وهدفا فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Loyality girl حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذا الطرح والسرد الدقيق عن مشاعرك نحو ذاتك ونحو الآخرين هو في الحقيقة يدل أن شخصيتك تحمل صفات الحساسية والتدقيق الزائد، والإمعان في التأويل وتحليل الأمور بصورة قد لا تتحملها أو ليس من الضروري أن تحلل الأمور بهذه الدقة.

بالطبع ما ذكرته من أنك لديك القدرة على الاطلاع على ما هو بدواخل الآخرين ونظراتهم نحوك وخلافه! هذا في نظري نوع من التعمق الذاتي الذي لا داعي له أبدا، فنحن لا يمكن أن نحكم على مشاعر الناس بدقة شديدة ودقة مطلقة، نعم يمكن أن نضع تصورات عامة عن مشاعر الناس، والأهم من ذلك ليس من الضروري أن نعرف مشاعر الناس حولنا في جميع الأوقات، فالناس ليسوا بسواسية في تصوراتهم أو تفكيرهم أو مشاعرهم، المهم أن تكون علاقاتنا على الود والاحترام للآخرين، هذا هو الضروري، ولو بادلونا ذلك سيكون هذا هو الجميل، وإن لم يبادلونا فيجب ألا نحس بالأسى، لأننا لا نستطيع أن نفرض قيمنا على الآخرين.

أنا أعتقد أنك محتاجة لمزيد من الثقة في نفسك، ومحتاجة لتركيز على دراستك، وأن تضعي أهدافك والتي يجب أن تكون التفوق والتميز.

لا شك أن الميول إلى تناول الطعام بصورة زائدة وانشغالك بالوزن وشعورك بالتكاسل، وفقدان الطاقة الجسدية بسهولة، أو الشعور بالإجهاد، يصنفها الكثير من علماء النفس على أنها نوع من الاكتئاب النفسي أو ما يسمى بالاكتئاب الغير مثالي، بمعنى أنه لا يحمل صفات الاكتئاب كما هي معروفة، ولكنه يصنف تحت أنواع معينة من الاكتئاب، وأنا أعتبر أن لديك لمحة أو شيء من هذا النوع من الاكتئاب.

ما ذكرته عن أنه لا شيء يجدي أو لا شيء ينفع ولا تحسين بالمساعدة حتى من الصلاة وتلاوة القرآن .. هذه مشاعر سلبية، أنا أفسرها من قبيل الشعور بالإحباط، لا شك أن المواظبة والمحافظة على الصلاة هي أمر لابد منه، وهي إن شاء الله تساعدك كثيرا، وكذلك القرآن إن شاء الله يشرح صدرك، ويزل هذه الكآبة والحساسية عنك.

بالنسبة للأعراض الاكتئابية، ينصح العلماء بالطبع بتناول الأدوية لها؛ لأنه يعتقد أن هنالك مركب كيميائي مضطرب هو الذي يسبب ذلك.

سوف تستفيدين كثيرا من عقار يعرف باسم بروزاك، أرجو أن تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي 20 مليجرام.

من الضروري أن تكوني ملتزمة التزاما مطلقا وتتناولي كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى كبسولة يوم بعد يوم لمدة شهرين.

أعتقد أن وزنك إن شاء الله سوف يكون هو الوزن الطبيعي، وحتى 57 ليس وزنا مرتفعا، ولكن إن شاء الله مع زوال هذا الاكتئاب عن طريق هذا الدواء سوف يتحقق لك الوزن الذي أنت تحاولين الوصول إليه.

أنصحك أيضا بممارسة أي نوع من الرياضة الخفيفة الداخلية في داخل المنزل، هذه إن شاء الله أيضا سوف تساعدك.

أرجو ألا تكثري من سؤالك للناس نحو شخصيتك، هذا يضعف موقف الإنسان أمام الآخرين، كما أنه يعطي انطباع سلبي، نحن نترك الناس لشأنهم وليكونوا عنا انطباعاتهم، وهذه الانطباعات ربما تكون دقيقة أو غير دقيقة، وهذا المنطق أيضا ينطبق على مشاعرنا نحو الآخرين، ليس كل ما نعتقده صحيح حول الآخرين وبالطبع ليس كل ما نعتقده أيضا خطأ، فهنالك صواب وهنالك خطأ، وتحديد الشخصية أو نمط الشخصية يتطلب الكثير من الدراسات والاختبارات التي يجب أن تجرى بواسطة المهنيين لتحديد الشخصية، ولكن هذه الأمور في حد ذاته هي أمور نظرية ولا تفيد كثيرا في الحياة العملية.

على الإنسان أن يحاول أن يواكب وأن يتواصل وأن يسعى لفرض نفسه ونفوذه وذلك بحسن الخلق وبمساعدة الآخرين، وأن يكون لديه القدرة على أن يقود حين يتطلب الموقف القيادة وألا يكون متبعا أو منقادا دائما.

أسأل الله لك التوفيق، وعليك اتباع الإرشادات السابقة، وتناول الدواء، وسوف تجدين إن شاء الله أن كل أحلامك قد تحققت، خاصة فيما يخص في دراسة الطب، وأنا أرى أنه لديك الكثير من المقدرات الداخلية التي إن شاء الله سوف تتفجر وتعطيك الطاقة النفسية والفكرية والوجدانية الصحيحة.
وبالله التوفيق.


مواد ذات صلة

الاستشارات