السؤال
السلام عليكم
توفي أخي منذ أسبوعين بسبب توقف قلبه المفاجئ، ودخوله بغيبوبة لمدة أسبوعين، وقبل وفاته كنا نحضر لعرسه، فأصبحنا نحضر لعزائه.
عقلي لم يتقبل الفكرة، وشعرت بأن الدنيا ليست عادلة، وأشعر بأنني حزينة جدا على أخي، وحزينة على فراقه، وأنه بريعان شبابه، وأخاف على أمي وأبي من شدة الحزن، ولم أستطع أن أرضى، وعقلي لا يتوقف عن طرح الأسئلة: لماذا حصل ذلك؟ ولماذا انقلب فرحنا لمأتم؟
أصبحت حياتنا أصعب؛ لأنه كان يدير أعمال والدي، أعلم أنها أقدار الله، لكنني حزينة جدا، أقول: الحمد لله، وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لكني أشعر أنني لست صادقة، أخاف من سخط الله علي، وألا يأجرني على هذا الابتلاء بسبب حزني الشديد، وبسبب الأسئلة التي تدور في رأسي، وأنه يوجد بداخلي عتب، لماذا حصل لنا ذلك؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sally حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
بداية: عظم الله أجركم ورحم الله أخاك، وأحسن عزاءكم فيه، ونسأل الله تعالى أن يصبرك ويصبر والديك، وأن يخلف عليكم بخير مما فقدتم.
وقد أحسنت -ابنتنا العزيزة- حين علمت وأيقنت أنها أقدار الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى يقدر المقادير بحكمة ورحمة، وهو أعلم سبحانه وتعالى بما يصلح لنا وما لا يصلح، وهو مع هذا العلم رحيم، أرحم بنا من أنفسنا، وربما قدر علينا بعض المصائب وهو يعلم سبحانه وتعالى أن الخير في تقديرها عليه، وهذا الخير قد لا يبدو لنا من أول الأمر، فلهذا ينبغي لنا أن نستحضر دائما لطف الله تعالى ورحمته، وبره وإحسانه، وأن نعلم أن كل ما يصيبنا بتقديره سبحانه وتعالى، وقد قال لنا في كتابه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وتفكري في أقدار الله تعالى المؤلمة التي أجراها على الأنبياء، وهم أفضل الخلق وأحب الناس إلى الله، تذكري قصة يعقوب والد يوسف، كيف أن الله سبحانه وتعالى قدر عليه هذا القدر، بفقد يوسف ثم ولده الثاني، فظل يبكي سنين طويلة لفقد يوسف -بكى أربعين سنة حتى رجع إليه يوسف-. وتفكري في امتحان الله تعالى لإبراهيم عليه السلام، حين أمره الله تعالى بذبح ولده إسماعيل، والقصة موجودة في أكثر من سورة من سور القرآن.
ولو تأملت كل هذه القصص، لأدركت أن لله سبحانه وتعالى حكمة وسرا في هذا، ومن الحكم التي يتكلم عنها العلماء: أن الله -سبحانه وتعالى- يريد أن يفرغ قلوب أحبابه وأوليائه هؤلاء، من أن تتعلق وتركن إلى مخلوق، ويريد أن تبقى هذه القلوب معلقة بالله، معتمدة عليه، مملوءة بحبه، فيصرف عنها بعض المحبوبات حتى تتفرغ لله تعالى.
وهذه الحكم لا تظهر لأي أحد، وإنما تظهر عند التفكر والتأمل الشديد، وما يدريك لعل الله -سبحانه وتعالى- أراد أن يعلق قلوبكم جميعا بالله تعالى، وأن ترجعوا إليه، حتى لا تكلوا أنفسكم ورزقكم وإدارة شؤونكم إلى هذا الإنسان، فقدر الله تعالى عليكم هذه المصيبة لما يترتب عليها من الخير الكثير، والأجر العظيم الذي ينتظركم، فلله تعالى الحكم البالغة.
وهو سبحانه وتعالى المالك لنا جميعا، لذواتنا، ولأموالنا، ولكل من حولنا، وهذا معنى قولنا: (إنا لله) فكلنا ملك لله تعالى، وينبغي أن نرضى بما يجريه سبحانه وتعالى من التصرف في هذا الملك، وهو المالك وحده.
وقد جاء في حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن الإنسان إذا أصيب بمصيبة، فقال عند هذه المصيبة ما أمره الله تعالى به: (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها) إلا أخلف الله تعالى له خيرا منها.
فالله قادر على أن يخلف عليكم بخير من أخيكم الذي فقدتم، وأم سلمة -رضي الله تعالى عنها- راوية الحديث لما مات زوجها أبو سلمة، وكان من خيار الصحابة، قالت في نفسها: "ليس هناك أحد أفضل من أبي سلمة" يمكن أن يجعله الله تعالى عوضا لها عن أبي سلمة، لكنها قالت هذا الحديث، فعوضها الله تعالى خيرا من أبي سلمة، فتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فلا ينبغي للإنسان أن يقطع أمله بالله، فعلينا أن نحسن الظن بالله تعالى، وأن نعلم أنه أهل لكل خير، وأهل لكل جميل، ونقول هذه الكلمات عن رضى وطمأنينة وسعادة، والله تعالى لا يؤاخذنا ولا يعاقبنا على الحزن الذي نجده في قلوبنا، فهذا طبع بشري، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين مات ولده إبراهيم: (وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون).
لكن المحظور والممنوع هو التسخط على قدر الله تعالى والاعتراض عليه، فينبغي للإنسان أن يحبس نفسه عن هذا التسخط، وهذا معنى الصبر، الصبر معناه الحبس، أن يحبس نفسه ويمنعها من التسخط على قدر الله، ويحسن ظنه بالله.
أما مجرد الأفكار التي تراودك وحديث النفس؛ فهذا أيضا لا يؤاخذك الله تعالى به، فإن الله تعالى عفى عن أمة محمد ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوضكم خيرا، ويجبر مصابكم ويثيبكم.