كيف أتكيف مع أذواق الآخرين حتى لا أكون منعزلة عنهم؟

0 13

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة، عمري 20 سنة، تخرجت في معهد دبلوم تخصص مخابر طبية هذه السنة، وأعاني من مشكلة في شخصيتي، فأنا أحب الاختلاط والتعامل مع الناس، وأحب بناء الصداقات والمعارف، وأن تكون لي مكانتي في المجتمع، لكني لم أنجح في تكوين العلاقات، وغالبا أكون خجولة، ولا أستطيع البدء بالحديث، ولا أتكلم كثيرا، ولا أحب الكلام، ولا يجذبني حديث الناس؛ ففي الغالب يتحدثون بمواضيع سطحية، لا أجد المتعة في الاستماع والمشاركة فيها.

أنا أحب الأحاديث التي تتعلق بالعمل، والدين، والسياسة، وأي أمر فيه فائدة، وأخجل من الكلام؛ لأن أغلب الناس لا يهمهم سوى اللباس، والطعام، فأجد نفسي صامتة وشاردة بعيدا عن الحوار، وهذا الشيء يؤثر على علاقاتي، فيبتعد الناس عني، ولا يجدون المتعة في الحديث معي، وأنعزل لوحدي، ويتحدثون معي فقط في المواضيع الجادة، ولطلب النصائح، وفي أمور الدراسة، ويبتعدون عني في غير ذلك.

أختي التي تكبرني ببضع سنوات شخصية اجتماعية جدا وجريئة، وتستطيع التكيف مع أي شخص، وفي أي حوار، حتى لو لم يعجبها، يفضلها الناس علي ويحبونها، ويقولون: أختك (فرفوشة) أكثر منك، وهذا يشعرني بعدم الثقة بنفسي، وأني إنسانة ضعيفة، وغير محبوبة.

تقول أختي أني انطوائية، أحيانا يعجبني ذلك، فأنا مرتاحة وحدي بعيدا عن حكايات الفتيات السطحية، والتي أشعر بأنها غير نافعة. وأحيانا أشعر بأن ذلك خطأ، وأن هذا الحال سيؤذيني، ويجب التعايش مع الناس مهما كانت عقولهم، ومهما كان حديثهم، أحاول الموازنة بين الأمرين ولا أستطيع.

أريد حلا لذلك، ولا أريد أن أكون انطوائية، ولا أريد أن أصبح كثيرة الكلام، وأكون إنسانة سطحية، ولا أعلم كيف؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ماريا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

أختي الفاضلة: ومن منا لا يحب أن يكون اجتماعيا ويقيم علاقات طيبة، وصداقات مع الناس من حوله؟ كلنا يرغب في هذا، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه؛ إلا أن الناس متفاوتون في الاهتمامات، والشخصيات، والرغبات، والحاجيات؛ فالاختلاط بالناس يتطلب أن يسايرهم في بعض ما يريدون الحديث به، وفي نفس الوقت نشاركهم اهتماماتنا وتطلعاتنا، والمواضيع التي نحبها.

سرني أنك تحاولين الموازنة بين الأمرين؛ إلا أنك تجدين صعوبة أحيانا في تحقيق ذلك، وهذا أمر طبيعي. أنت ما زلت في العشرين من العمر، فأمامك مساحة واسعة لتعدلي وتغيري في طبيعتك وشخصيتك، هذا إن رغبت في تحقيق هذا الشيء.

أختي الفاضلة: كانت هناك نظرة قديمة تقول: إن الناس كلهم يجب أن يكونوا اجتماعيين، ويحبون الاختلاط أربعا وعشرين ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع؛ إلا أن هناك توجها في السنوات القليلة الماضة على أن الناس يتفاوتون في رغبتهم في هذا، فمن الناس من هو أكثر قدرة على الاختلاط بالناس من أناس آخرين، بينما هناك أناس يميلون إلى شيء من العزلة والانطوائية -إن صحت التسمية-، ولهذا أيضا فوائده، فالناس الذين يبدعون بالأفكار، وبالكتابة، والاختراعات يميلون إلى أنهم يستمتعون بفترة من العزلة والانطواء؛ ليختلوا بأفكارهم، واهتماماتهم.

فإذا هذا مطلوب، وذاك مطلوب، والمهم أن الإنسان يتعرف إلى شخصيته، ومزاجه، واهتماماته، وهذا واضح أنك حققته في التعرف إلى طبيعتك، فحاولي مجددا أن توازني بين الاختلاط بالناس ومعاشرتهم، بالرغم من أنك قد لا توافقين على كل ما يتكلمون به، فكثير من الناس لا يطيقون دوما الحديث في الأمور الجادة، سواء الدينية، أو السياسية، أو العلمية، أو غيرها، وإنما يميلون إلى التغيير بين هذا وذاك، "روحوا القلوب ساعة فساعة" كما في الأثر.

وفي نفس الوقت عندما تحبين أن تختلي بنفسك لتقرئي أو تبحثي؛ فأيضا هذا نعمة ميسرة لك -بإذن الله عز وجل-، متذكرين في ذلك قول الله تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ‌وعسى ‌أن ‌تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

أختي الفاضلة: هناك قاعدة في الصحة النفسية تقول: (كن أنت) أو (كون أنت) أي: لا تحاولي أن تقلدي أحدا، كوني على طبيعتك، قاربي وسددي بين هذا وذاك، وأقبلي على الناس، طالما أنت ترغبين بهذا، ولكن لا بد من التحلي بالصبر، والحلم، والأناة معهم، ولا بأس أن تجاريهم في بعض أحاديثهم طالما أنها في المباح، ولم يتجاوزوا الخطوط الحمراء، فهكذا هي الحياة ليست كلها قضايا جادة تتعلق بالدين، والسياسة، والعلم، وإنما هناك أمور حياتية يرغب كثير من الناس في الحديث فيها.

كما ذكرت لك: أنت ما زلت في العشرين، وبإمكانك -بإذن الله عز وجل- أن تنجحي في تحقيق هذا التوازن، فاستمري على هذه المحاولة، مع شيء من الصبر والتأني، داعيا الله تعالى أن ييسر أمرك، ويلهمك صواب الرأي، والقول، والعمل.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات