كيف أرضى عن نفسي وعن ربي لأصل إلى الطمأنينة؟

0 0

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شخص غير راض في داخلي، وأرى هذا في نفسي، وأحمد الله بلساني، لكنني أعلم في داخلي أنني لست راضيا، وأعلم أن الله يعلم ذلك، وأقول: "الحمد لله"، ولكن قلبي غير راض، ولا أعلم كيف أصل إلى الرضا بحالي وبمعيشتي.

أشعر أنه لو كنت في حال أفضل، لكنت حامدا وشاكرا عن رضا، ولكان لدي سلام داخلي.

أدعو الله أن يحسن من حالي، وأشعر أن ذلك أصلح لي، لأني متعب نفسيا لدرجة أنني لا أستطيع الخشوع في صلاتي، ولا التركيز في حياتي.

أصلي وبالي مشغول، مجرد حركات أقوم بها، خالية من حضور القلب مع الله.

كنت في السابق أستمع إلى القرآن، أما الآن، فعندما أرى مقطعا دينيا، سواء أكان قرآنا أو خطبة، أغير المقطع وأبحث عن أي شيء آخر.

دائما أشعر أن حظي قليل، وأن الله غاضب علي، وذات مرة، حدث موقف بيني وبين والدتي، فداعبتها مازحا، فدعت علي في تلك الليلة، واستجيب دعاؤها، مع أنها دعت لي كثيرا بالشفاء، إلا إن الله لم يأذن بعد بالاستجابة.

لماذا استجيب دعاؤها علي في الليلة نفسها، ولم تستجب دعواتها لي، رغم أنها كثيرة، مع أن الشخص هو نفسه: أنا ؟!

أصبحت لا أفهم شيئا، أشعر أنني تائه، ولست راضيا عن نفسي، وأحس أنني أبتعد عن الله أكثر فأكثر، ولم أعد أشعر بالرغبة في الحياة، وأشعر باختناق شديد.

أنا شخص واقف في المنتصف: لا أنال من الدنيا شيئا، ولا أستطيع أن أقترب من الله، بل أزداد بعدا، أنا حقا متعب جدا، ولا أعلم ماذا أفعل، ولا أعرف كيف أحمد الله عن رضا؟ أنا أريد أن أرضى، لكن لا أستطيع، لأنني من داخلي لست راضيا، ولا أجد نفسي مطمئنا!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أشرف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في استشارات إسلام ويب.
أولا: نشكر لك تواصلك بالموقع، وحرصك على أن تسأل من يعينك على تحقيق مصالح دينك، وهذا من توفيق الله تعالى لك، فنسأل الله تعالى أن يمن عليك بكمال النعمة، ويعطيك من الدنيا وأسبابها ما يصلح به دينك ودنياك، ويرضيك بما قسمه لك.

نحن نلخص نصيحتنا لك -أيها الحبيب- في النقاط التالية:
أولا: ينبغي أن تتذكر نعم الله تعالى الكثيرة عليك، فأنت الآن تنظر إلى الجانب الذي حرمت منه فقط، وتتناسى ما أعطاك الله تعالى من نعم، وهي كثيرة، بحيث لا تقدر على عدها فقط، فضلا عن أن تقوم بشكرها وأداء حق الله تعالى عليك فيها، وقد قال الله تعالى: (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ) [إبراهيم: 34]، الإنسان هذه طبيعته، ظلوم، يظلم نفسه ويظلم غيره، و(كفار) أي جاحد، ينسى، وهل سمي الإنسان إلا لنسيه، ولا (القلب) إلا لأنه يتقلب، فيحتاج إلى أن يذكر نفسه دائما بنعم الله تعالى عليه.

تذكر نعمة الله عليك بالسمع والبصر، وحاول أن تقيس زوال هذه النعم عنك، لو أعطيت بمقابلها مالا هل سترضى؟ وحينها ستدرك قيمة هذه النعم التي تعيشها.

ثانيا: قارن نفسك بمن هم أسوأ حالا منك، ممن هم أقل نعما مما أعطاك الله، فانظر للمرضى بأصنافهم، وانظر إلى المعدمين والفقراء بأشكالهم وأنواعهم، وانظر للخائفين والمرعبين والمهجرين، وانظر إلى حالات وأنواع من المصائب لا تحصى تنزل في الناس وأنت في عافية منها، تفكر في هؤلاء جميعا، وقارن نفسك بهم، وهذا هو المنهج النبوي الذي أرشدنا إليه الرسول الكريم الرحيم -صلى الله عليه وسلم- فقال: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا ‌تزدروا ‌نعمة الله).

هذا المنهج من شأنه ومن ثماره أنه سيغرس في قلبك الرضا عن الله تعالى، والرضا بما قدره لك وقسمه لك.

ثالثا: تذكر -أيها الحبيب- بأن الإنسان المؤمن قد يضيق الله تعالى عليه في هذه الدنيا، ويحرمه من بعض محبوباته، ليس بغضا له ولا بخلا عليه؛ فإن الله تعالى غني كريم، لا يعجزه شيء، ولا ينقص من ملكه شيء لو أعطاك كل ما ترجو وتتمنى، ولكنه يفعل ذلك كرما وحبا وتقديرا حسنا؛ فإنه أعلم بمصالحك من نفسك، فقد قال سبحانه وتعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) [البقرة: 216].

يضيق الله تعالى الرزق على بعض عباده المؤمنين؛ لأنه يعلم أنه لو فتحت عليهم الأرزاق لفسدت أحوالهم، أو لأنه سبحانه وتعالى يريد أن يأجرهم على صبرهم، وجزاء الصبر بغير حساب، ويريد أن يعوضهم عما فاتهم في الدار الآخرة، فإن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة سنة، فلك أن تتذكر هذا الموقف العظيم؛ الأغنياء يحاسبون في عرصات القيامة، والفقير يدخل الجنة قبلهم بخمسمائة سنة، يتنعم بنعيم الجنة، فما هو نعيم الدنيا بأسرها أمام نعيم لحظة من نعيم الجنة؟!

عليك أن تتذكر هذه المعاني -أيها الحبيب- لتعلم أن الله تعالى رؤوف رحيم، لطيف خبير، ومعنى اللطف أنه يوصل الخير إلى عبده بطرق خفية.

ننصحك - بأن تكثر من مجالسة الصالحين، وتكثر من التواصل معهم، وأن تشغل نفسك بذكر الله تعالى وتذكر نعمه عليك، فقد قال الله تعالى في سورة فاطر: (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون) [فاطر: 3].

احذر من أن يجرك الشيطان إلى الاعتراض على أقدار الله، فالله تعالى له الملك وله الحمد، فهو المالك، ومن ثم فهو يتصرف في ملكه بما يشاء سبحانه وتعالى، وهو لا يفعل للعبد إلا ما هو خير ومصلحة، وبذلك له الحمد، أي يحمد سبحانه وتعالى ويشكر على تصرفاته كلها؛ لأنها كلها خير وإن آلمك بعضها.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك للخيرات.

أما ما سألت عنه من إجابة الدعاء؛ فالأمر لله وحده، (لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون)، فخذ بالأسباب التي تقربك من الله، واحرص على أداء الفرائض واجتناب المحرمات، واطلب رزقك من الله تعالى، واعلم أنك ستجد ما كتبه الله وقدره لك.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات