ضيق في الرزق وعدم التوفيق في حياتي، أريد حلًا!

0 19

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندي اكتئاب شديد، ورزقي ضيق لدرجة العدم -بدون مبالغة-، لدرجة أنني من بين جميع أقاربي وأصدقائي لا يوجد شخص حالته أصعب من حالتي! ولا أشعر بالتوفيق في أي شيء، وكل شيء أسعى وأحاول أن أفعله لا يكتمل، والموضوع صعب ويؤثر علي نفسيا جدا، مع أني أقوم بتأدية صلواتي، ولا أقصر في الصلاة والدعاء، وأسعى كثيرا، ولا يوجد أي مقابل.

أريد حلا؛ لأنني حاليا أفكر كثيرا بالانتحار!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أخانا العزيز: نود أولا أن نؤكد لك أننا هنا للاستماع إليك ومساعدتك بكل ما نستطيع، من الطبيعي أن تشعر باليأس والإحباط عندما تكون الظروف صعبة، ولكن من المهم أن نبحث عن الحلول الممكنة بدلا من الاستسلام للأفكار السلبية.

الاكتئاب هو حالة نفسية تتطلب عناية واهتماما خاصا، وهناك عدة خطوات يمكنك اتخاذها لتحسين حالتك النفسية والمادية -بإذن الله-:

- لا تتردد في الحديث مع أخصائي نفسي أو مستشار، الدعم المهني يمكن أن يساعدك في التعامل مع مشاعرك وتقديم استراتيجيات فعالة للتحسين.

- ابحث عن دعم من الأصدقاء والعائلة، مشاركة مشاعرك معهم قد تخفف من حملك.

- حافظ على نمط حياة صحي من خلال التغذية السليمة، ممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الجيد.

- عليك بالصبر والثقة بالله تعالى، يقول الله تعالى في سورة البقرة: "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ۚ إن الله مع الصابرين"، الصبر واليقين بأن الله لن يتركك؛ يمكن أن يخفف من مشاعر اليأس، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته"، ويقول كذلك: "عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن".

- الإكثار من الدعاء، كما قال الرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة"، استمر في الدعاء والتضرع إلى الله بتغيير حالك.

- القرآن الكريم هو شفاء للقلوب، حاول أن تقرأ القرآن بانتظام وتفكر في معانيه، ﴿إن هـٰذا ٱلۡقرۡءان یهۡدی للتی هی أقۡوم ویبشر ٱلۡمؤۡمنین ٱلذین یعۡملون ٱلصـٰلحـٰت أن لهمۡ أجۡرࣰا كبیرࣰا﴾ [الإسراء ٩].

- عليك بالتوكل على الله، قال الله تعالى في سورة الطلاق: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"، التوكل على الله، والالتزام بالتقوى قد يفتح لك أبوابا لم تكن تتوقعها.

- حاول تقسيم أهدافك الكبيرة إلى أهداف صغيرة يمكن تحقيقها بسهولة، هذا سيساعدك في الشعور بالإنجاز، ويزيد من ثقتك بنفسك.

- ابحث عن فرص لتعلم مهارات جديدة، أو تحسين مهاراتك الحالية، قد تفتح هذه المهارات أبوابا جديدة للعمل والرزق.

- أحيانا، مساعدة الآخرين يمكن أن تعيد لنا الشعور بالهدف والمعنى في حياتنا.

أخانا الكريم: حياتك ثمينة وأنت لست وحدك في هذه المعركة، إذا كنت تشعر بأن الأمور أصبحت لا تطاق، نرجو أن تتواصل مع شخص تثق به، أو مع أحد المختصين في الصحة النفسية فورا، أو رقم خدمة الطوارئ في بلدك، الانتحار ليس حلا، والله تعالى رحيم بعباده ويعلم ما في قلوبهم، تذكر أن الفرج يأتي بعد الشدة، وأن مع العسر يسرا.

وفقك الله.
________________
انتهت إجابة الأستاذ/ فيصل العشاري استشاري نفسي تربوي
وتليها إجابة د. أحمد المحمدي المستشار التربوي:
_______________
أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وبعد:

أعجبنا حديثك وطموحك وأنت لا زلت في منتصف العشرين، والطريق أمامك مفتوح، لكن الخلل أتاك من طريقين، لو أحسنت فهمهما ستتغير كثيرا في حياتك يا أحمد.

الخلل الأول: أتاك من مقارنة نفسك بعائلتك، ورؤيتك أنك الأقل منهم في جانب المال؛ حتى ذكرت أنك معدم في هذه الناحية، والأصل في المقارنة -إن صحت وهي لا تصح- أن تكون في جميع العطايا إذ ما فائدة وجود المال مع المرض؟ وما فائدة وجود المال والصحة مع ضعف الإيمان؟ وما فائدة وجود المال والصحة مع عدم الرضا، وغضب الله على العبد؟

أخي أحمد: في مثل عمرك، أو ربما أصغر منك من راسلنا أنه مريض بالكلى، وأنه يذهب إلى المستشفى كل ثلاثة أيام لغسل الكلى، وأنه يعود من هناك مريضا جدا لا يستطيع التحرك حتى اليوم الثاني لتبدأ معاناته مع الذهاب إلى المستشفى الذي يمكث فيه يوما كاملا، ثم تستمر الدورة على ذلك.

تدري يا أحمد ما أمنية صديقنا هذا؟
أمنيته أن يمر عليه يوم بلا تعب؟!!
هذه الأمنية التي ربما تستمر مع الإنسان بالأشهر، وهو يريدها يوما واحدا فقط!

والعجيب في سؤاله قوله: (هل أنا بهذه الأمنية أغضب الله تعالى؟! أنا لا أريد أن ألقى الله وهو غاضب علي، وأنا أعلم أن الدنيا قصيرة والآخرة هي الأبقى، فهل أمنيتي تلك تغضب الله علي؟).

السؤال: لماذا تحمل هذا الشاب كل هذا الألم المتكرر معه، ولم نتحمل نحن ابتلاء أقل من ذلك بكثير؟
لماذا لم يفكر هذا الشاب في الانتحار مثلا، وآثر أن يصبر على ما هو عليه، وهو راض محتسب ملتمس الأجر؟

جواب هذا السؤال هو الخلل الثاني لديك أخي أحمد، وهو: غياب المعنى الصحيح لطبيعة الحياة، ودور الإيمان في ذلك.

أخي الكريم: اعلم أن فهم طبيعة الحياة، وأنها مجبولة على البلاء مقرونة بالتعب والنصب معين على الاستقامة والتحمل، لا يوجد في الحياة أحد لم يبتلى، وقد أحسن من قال واصفا الدنيا:
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار

وهذا لا يعني أن نرضى بالألم، وأن نستسلم للضرر دون تغيير، لا أبدا، بل غاية الأمر أن نعلم أن هذا بلاء، وعليك أن تتعامل معه على أنه محنة من خلفها منحة -إن شاء الله-.

كذلك نعلم أن البلاء لا يقع إلا لحكمة، ولا يقع إلا بإذن من الله، وعليه فهو مراد من الله عز وجل، حتى يعلم صادق الإيمان من الدعي، وعدل الله قضى أن يقسم البلاء على جميع خلقه، كل بقدره، فمن الناس من يبتلى في بدنه، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من يبتلى بالجهل، ومنهم من يبتلى في ولده، أو زوجه، أو والده أو أمه، الشاهد أن البلاء يتنوع، وهو في النهاية موزع على خلق الله عز وجل، قال الله تعالى : "ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون".

- حين يعلم المسلم ذلك يجتهد في الإصلاح ما استطاع، ويطلب الأجر من الله على ما وقع عليه من ابتلاء وهو صابر محتسب، ويعلم قطعا أن الله سيعوضه على صبره قال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

- وقال سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده، أو في ماله، أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة).

أخي أحمد: إذا استقام عندك ما مر، ورضيت بالقدر، وسعيت في إصلاحه ستجد عونا من الله عز وجل، المهم البذل مع الصبر، والاجتهاد في الطلب، نعني طلب الرزق من مصادره، مع الإيمان الكامل بأن أقدار الله هي الخير لك.

وهذا هو الطريق، ونحن نوصيك عند طلب الرزق بأن تستعين بأهل الكفاءة والخبرة في ميدانك، وألا تقدم على عمل ما إلا بعد استشارتهم، وأن تصبر على مشاق العمل، واستعن على ما مر بما يلي:

1- الاستغفار: قال تعالى: ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾، قال المفسرون: هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار.

وقد جاء رجل إلى الحسن البصري، فشكا إليه الجدب، أي قلة المطر، فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر، فشكا الفقر، فقال: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: ادع الله أن يرزقني ولدا؟ فقال: استغفر الله، فقال أصحاب الحسن: ما هذا؟ سألوك في مسائل شتى، وأجبتهم بجواب واحد، وهو الاستغفار، فقال رحمه الله: ما قلت من عندي شيئا، إن الله تعالى يقول: ﴿فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا﴾.

2- التوكل على الله مع أخذ الأسباب: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا)، فربط النبي -صلى الله عليه وسلم- التوكل الحق بالسعي على الرزق.

3- المتابعة بين الحج والعمرة: فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة).

4- صلة الأرحام: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(من سره أن يبسط الله عليه في رزقه، أو ينسأ في أثره، فليصل رحمه).

5- الصدقة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله عز وجل: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار).

6- المداومة على الدعاء: الدعاء سهم صائب متى ما انطلق من قلب صادق، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الدعاء ومن قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( تعوذوا بالله من الفقر، والقلة، والذلة، وأن تظلم، أو تظلم).

7- من أسباب الرزق كذلك : التبكير إلى طلب الرزق: فعن صخر الغامدي رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسل قال:(اللهم بارك لأمتي في بكورها).

أخي أحمد: ليس من نافلة القول أن نقول لك: إن حديثك عن الانتحار ولو كان فكرة أمر لا يليق بك كمسلم يعلم إن الانتحار من عظائم الذنوب وكبائرها، وأن صاحبها قد استحق بهذا الفعل الخلود في نار جهنم، كما قال تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما* ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا) [النساء:30]

لذا؛ فالتفكير في الانتحار ديدن من لا يؤمن بالله تعالى، ولا يؤمن بقضائه وقدره سبحانه، ولا يرضى بذلك، ولا يصدق بلقائه وجزائه، أما أنت فشأن آخر، فأنت والحمد لله مسلم مؤمن مصل، وعالم بأن الدنيا دار فانية والآخرة هي الباقية والخالدة، وإذا ما صح عندك ما ذكرناه من خلل، وصح طلبك للرزق مع المحافظة على ما ذكرناه لك من أسباب، فإن هذه النظرة ستختفي تماما -إن شاء الله-.

وأخيرا: نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يرزقك من واسع فضله، ونحن في انتظار رسائلك حتى نطمئن عليك يا أحمد.

بارك الله فيك، وأحسن الله إليك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات