السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب طب في السنة الأولى، وقد اخترت تخصص الطب برا بوالدي، ورغبة في عبادة الله بهذه المهنة النافعة، وقد اشترطت على والدي عند دخولي الكلية التخصص في طب الأطفال تحديدا؛ وذلك تجنبا لفحص النساء، لأني لا أرتاح لهذا الأمر أبدا، وقد وافق والدي على شرطي حينها، ولكن بعد انتهاء السنة الأولى، اتضح لي أنه يجب علي فحص النساء خلال السنوات العملية الثلاث الأولى، وكذلك في سنوات التدريب التي تأتي بعد التخرج، وكل ذلك قبل أن أتمكن من التخصص في دراسة طب الأطفال، أنا أعلم أن فحص الرجل للنساء مباح شرعا للضرورة الطبية، ولكني شاب أعزب، ومن واقع تجربتي في الحياة، لا أثق بنفسي تمام الثقة من أنني سأسلم من الشعور بالشهوة وأنا أنظر إلى المرأة، أو عند لمسها أثناء الفحوصات.
تحدثت مع والدي بشأن ما أشعر به من قلق وخوف من هذه الفتنة، وكان ردهما: عليك ترك هذه الأفكار وتجاوزها، واعتبرها وسواسا من الشيطان، وقالا: وما يدريك أنك ستشعر بتلك اللذة عند الفحص؟ بل عليك أن تتصرف باحترافية، وتحافظ على صفاء نيتك، وتتوكل على الله، وتؤمن بأن الله سيساعدك، وأضافا: أنه حتى لو شعرت بشيء، فأنت معذور؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ولكنني ما زلت متمسكا برأيي، لأنه كيف لي أن أقدم على أمر أنا موقن بأنني سأفتن به! إنني أعرف نفسي جيدا، وشدة تهيج شهوتي، خاصة في هذا العمر، وكوني أعزب، ورغم أنني أغض بصري غالبا وليس لدي علاقات محرمة، إلا إنني مبتلى بالعادة السرية، وأنا أسعى للتوبة منها دائما، وكلما ضعفت وعدت، أندم وأجاهد نفسي، وقد سبق لي قراءة نصائحكم لمن ابتلي بهذا الذنب، و-إن شاء الله- سأعمل بها وأتعافى.
ويعد هذا سببا آخر لشدة خوفي من الفتنة؛ فإنني لا أريد فتح أبواب قد تسوء معها حالتي، إن فحصت امرأة ووجب علي أن ألمسها وأنظر إليها، وقد تقوى الشهوة ويضعف عندي غض بصري، وأتلذذ بالفحص، فإنني أتأثر بالنساء، حتى حين أغض بصري في الأسواق أو الشوارع، حيث تنجذب نفسي للنساء هناك، ولكني أغض بصري -ولله الحمد-، وأمنع نفسي لذة النظر.
فما هو الخير لي عند الله: أن أغير تخصصي من الطب إلى شيء آخر لا فتنة فيه، أم البقاء في الطب مع هذا الخوف والقلق؟
بارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك على حرصك على طاعة الله، وعلى تقوى الله في حياتك اليومية، ونسأل الله أن يوفقك في مساعيك، وأن يثبتك على الحق.
أنت في موقف حساس، وتظهر نية صادقة لتجنب الفتنة، والعمل في مجال يرضي الله، ومن الجيد أنك تستشير وتبحث عن توجيه، لتحديد الأفضل لحياتك ومستقبلك، وما يمكن أن يساعدك في اتخاذ قرارك:
اعتبار المقصد والنية: دخولك الطب بنية عبادة الله، ومساعدة الآخرين، هو عمل عظيم، والطب مهنة شريفة، تهدف إلى إنقاذ الأرواح وعلاج المرضى، والله سبحانه وتعالى ينظر إلى نيتك، وإذا كان هدفك هو النفع والإصلاح، فإن الله سيعينك ويأجرك على ذلك.
ضرورة الفحص الطبي وضوابطه: الفحص الطبي للنساء من قبل الرجال قد يكون ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، خاصة إذا لم يكن هناك نساء في هذا المجال، لكن هذه الرخصة تتطلب ضوابط صارمة، من غض البصر، وضبط النفس، والإسلام راعى هذه التحديات، ولذلك ينظمها بالآداب والضوابط الشرعية، مثل وجود محرم أو مرافق أثناء الفحص، والحرص على تجنب الخلوة.
الموازنة بين الفتنة والمصلحة: إذا كنت ترى أن هناك احتمالا قويا بأن تتعرض للفتنة، ولا تستطيع التحكم في نفسك، فقد يكون من الحكمة التفكير في خيارات أخرى، ومع ذلك، يمكن أن يكون الحل في تعزيز تقواك، واتباع النصائح الشرعية، للتعامل مع هذه المواقف، واتخاذ التدابير الوقائية، كعدم الخلوة بالمرأة المفحوصة.
استشارة أهل العلم والخبرة: قد يكون من المفيد أن تستشير علماء دين تثق فيهم، أو أطباء مسلمين ذوي خبرة، فهم قد يقدمون لك نصائح وتوجيهات عملية، لكيفية التعامل مع هذا الموقف، وخصوصا من كان له تجربة مشابهة.
خطوات إضافية:
- إذا اخترت الاستمرار في دراسة الطب، يمكنك تعزيز إيمانك وزيادة تقواك، من خلال العبادة المستمرة والدعاء، والتوكل على الله مع اتخاذ الأسباب.
- المداومة على الأذكار، وقراءة القرآن، والالتزام بالأدعية المأثورة للحفظ من الفتنة.
- تذكر دائما أن نيتك هي عبادة الله، وأن عملك الطبي يمكن أن يكون بابا عظيما للخير، إذا وجه بالنية الصالحة.
- حاول أن تكون متوازنا في قرارك، بين رغبتك في خدمة المجتمع، والاحتفاظ بدينك، وتجنب الفتنة، والتوجه نحو مجال آخر في الطب، أو حتى في مجال مختلف تماما، قد يكون هو الحل الأفضل لك.
في النهاية: إذا كنت تخشى على دينك وتعتقد أن الفتنة ستكون شديدة عليك، وأنك لن تستطيع ضبط نفسك في المواقف العملية، فقد يكون تغيير تخصصك، أو البحث عن مجال آخر، هو الخيار الأفضل، والله سبحانه وتعالى يفتح لك أبواب الخير أينما كنت.
وإن رأيت أنك تستطيع ضبط نفسك، وأنك قادر على التحصن بالإيمان والعمل في مجال الطب بنية خالصة، فاستمر في تخصصك، مع الحرص على الالتزام بالضوابط الشرعية، واحرص على الدعاء والاستخارة، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما هو خير لك.
نسأل الله أن ييسر لك أمرك، ويعينك على ما فيه الخير لك في الدنيا والآخرة.