دعوة الوالدين والأقارب

0 536

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا على هذه الخدمات الطيبة، سائلين الله - عز وجل - أن يجعلها في موازين حسناتكم.

مشكلتي مشكلة كبيرة بالنسبة لي، وأسأل الله - جل وعلا - أن ييسر حلها.

* كنت قد دخلت في دائرة التدين بعد أن كنت في دائرة المعاصي كبقية الشباب، ذقت حلاوة الإيمان، ولذة الطاعة، كالعادة مع أي متدين جديد في هذه الدائرة، ثم جاء الفتور ليأخذ كل تلك اللحظات التي أعيشها في سعادة من لذة، وحلاوة للإيمان، وسماع للقرآن... إلخ.

مشكلتي الفرعية أنني إنسان لست اجتماعيا، فأنا أعاني من الوحدة، والعزلة والانطواء، ومنذ دخولي في دائرة التدين بدأت المشاكل بيني وبين أمي وأختي، أما أبي فكان أبي متدينا كما كنت أنظر له، ولكن مع مرور الوقت بدأت المشاكل مع أبي والأسرة كلها، فلا أجد من يسمعني، كل أفراد الأسرة يتهمونني بأنني أريد أن أتكلم فقط ولا أسمع، مع أنني أريد أن أتكلم لأعبر عن المشاكل النفسية التي أعانيها.

يتهمونني بالتشدد - وهذا أمر طبيعي مع أي شخص يتدين - ولكن المشكلة الأخرى أنهم فضحوني، فأمي صديقة والدة صديق عزيز علي، فأخبرت أمي والدته أنني تشددت، وكذلك أختي، وانتشر الأمر إلى أخوالي مما لاحظوه من سلوكي - مع أنني لست عابس الوجه، ولا يبدو علي سمات التشدد، ولست صاحب لحية، ولا مظهري مظهر سني - إنما من الداخل فقط.

وكان أبي يقول لي: إنني لا أحب أن أفهم الكلام، ولا أن أسمعه، المهم بعد مرور المزيد من الوقت جلسنا - نحن الأسرة - معا، بدأ حوار، وبدأ ساخنا، وسمعوني فيه، طبعا واجهت العديد من الاستهزاءات والسخرية، إلا من أمي - جزاها الله خيرا - فهي طيبة، ولكن المشكلة عندما أريد أن أوجه لها نصيحة - ولو بطريقة لطيفة وليس فيها شيء من الشدة - ترفضني وتقول لي " لا أحب أن يكون هناك رقيب علي يراقبني دائما " أو ما في معناه.

أما بيني وبين أختي، فدائما شجار ولا نطيق بعضنا البعض، ولاتطيق مني أي كلام، ودائما تقول لي إنه عندي كل شيء حرام، مع أنني لا آتي بتلك الأشياء من عندي، فمثلا عندما أجلس على الأريكة، وهي تتحدث وأسمعها تغتاب فلانا وفلانة، أقول لها: إن هذه غيبة، وإنه حرام أن تغتاب الآخرين، وإنها كما تتحدث عن الناس في غيابهم سيتحدثون عنها كذلك، وبالفعل هي تتأثر بكلام غيرها عندما تتلقى من صديقاتها -أحيانا أو نادرا- كلاما يضايقها، وتبكي وتنهار وتغضب، ولكنها لا تتعلم.

تعمقنا في ذلك الحوار الأسري، وتعمقت أنا وأبي في الموضوع، وفي منتصف الحديث قال لي: إن أختي بها أشياء كثيرة أفضل مني... فمثلا - كما يقول -: إنها حنينة، استيعابها للأمور أوسع مني... إلخ مع أن أبي كان يقول لها زمان ألفاظا مثل: غبية و... و...

تضايقت وخاصةا أن أختي متبرجة - وأسأل الله أن يهديني وإياها ويهدينا أجمعين - وهي تتحدث مع الأولاد، وكانت تعرف شخصا بدون علم أبي، ولكن هذا الشخص تقدم لخطبتها فلم يستطع أبي أن يرفض لأنه قد وضع أمام الأمر الواقع، وخاصة أنه لم يعلم أنها كانت تعرف هذا الشخص إلا عند تقدمه لخطبتها.

وصلنا في نهاية النقاش أنا وأبي إلى أنه قال لي: إنه يجب ألا أكون منعزلا، وأن أكون علاقات اجتماعية مع غيري، فمثلا في الجامعة هذا الأمر هام، وخاصة أنني سأحتاج إلى تصوير محاضرات ودروس من زملاء آخرين وغيرها.

باختصار المشكلة أنني منعزل، ولا أعرف كيف أكون اجتماعيا محبوبا، وأنا الآن لا أخرج من البيت أبدا إلا للصلاة، وبصراحة المحرمات كثيرة جدا، أصبح كل شيء محرما وخاصا بالنسبة لي، فمثلا لا أستطيع دخول فيلم بالسينما كما كنت أفعل قبل التدين، وذلك لأنني سأدفع مالي في رؤية بعض المناظر المحرمة - ولا يخلو فيلم من المناظر المحرمة - وحتى لو غضضت بصري، فقد دفعت مالي في حرام، وماذا استفدت ؟!

- الأغاني كذلك، مع أنني لا أسمع أغاني تتحدث عن الحب، وكنت أحب سماع الأغاني الصاخبة التي فيها صراخ، والتي لا تثيرني على الإطلاق ولكن كان الأداء في الموسيقى والصوت يعجبني.

- التلفاز لا أستطيع مشاهدة شيء، كل شيء فيه يؤدي إلى إثارة الغرائز إلا البرامج الدينية، ولا أستطيع مشاهدة البرامج الدينية دائما، فهذا يزيد الفتـور.

- سمعت الكثير من الشيوخ يخبرون الشباب أن يتمتعوا في الحلال، ولكنني لا أرى أي نوع من اللهو مباحا الآن في عصرنا.

- حتى ألعاب الكمبيوتر، المشكلة أن تلك الألعاب يصحبها موسيقى، والموسيقى أناس أو شيوخ كثيرون حرموها إعتمادا على الحديث الصحيح في كتاب صحيح البخاري - رحمه الله عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف....) إلى آخر الحديث.

وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن علينا أن نسدد ونقارب، فكيف يتم ذلك في هذا الزمان الذي امتلأ باستحلال المحرمات؟!

- كيف أوفق بين الدنيا والآخرة؟ صعب جدا ليس بالسهل أبدا، إذا خرجت من البيت عن يميني وعن شمالي أرى المتبرجات وأشعر بهن حتى لو غضضت بصري.

كل هذه العوامل ستؤدي إلى فقداني للتدين تماما إن لم أجد حلا سريعا لهذه المشكلة.

أعتذر جدا عن الإطالة، ولكن بداخلي كلام كثير، وأتمنى من الله أن يساعدني بكم.

وجزاكم الله خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نسأل الله أن يرزقك السداد، وأن يلهمنا وإياك الثبات حتى الممات.

نحن أيضا نريد لشبابنا المتدين أن يكون اجتماعيا، يلاطف الناس ويحتمل منهم، ويحسن التعامل معهم، حتى يدخل إلى قلوبهم، خاصة إذا كان هؤلاء الناس هم الأسرة، كما نتمنى أن تتدرج في الإصلاح، ولا تستعجل النتائج، فإننا إذا أخذنا الناس إلى الحق جملة رفضوه جملة، ولكن حسبنا أن نحيي في كل يوم حقا، ونميت باطلا حتى نلقى الله.

أرجو أن تعلم أن الداعية مثل الطبيب الناجح الذي يشفق على مرضاه ويتلطف معهم، ويبدأ بعلاج أخطر الأمراض، ومن هنا فنحن نتمنى أن تزيد من برك لوالديك، وتزيد في شفقتك على أختك، وتختار لنصائحك الأوقات المناسبة والألفاظ اللطيفة، وابدأ بالثناء على الإيجابيات التي عندهم، ثم احرص على معالجة السلبيات بلطف، ونحن لا ننصحك بالدخول في حوار جماعي، ولكن الأفضل أن تبدأ بالوالدة فتكسبها لطفك، ثم تنتقل للوالد فتلاطفه وتثني عليه، وتشعره ببرك واهتمامك وتقديرك واحترامك.

إذا ذهبت للمسجد فابحث عن الأخيار، فإن المساجد بيوت الأتقياء، وأشغل نفسك بدراستك، وأكثر من تلاوة القرآن وذكر الرحمن، ولا تكلف نفسك فوق طاقتها، ولن يضرك كلام الناس إذا خفت من رب الناس، وأظهرت لهم جمال الإسلام، وقد أحسن والدك حين قال لك لا تكن منعزلا، وأحسن اختيار الأصدقاء فإن الصالحين عون على طاعة رب الأرض والسماء، وما أعطي الإنسان بعد الإسلام أفضل من صديق صالح يذكره بالله إذا نسي، ويعينه على طاعة الله إن ذكر.

قد أحسنت بابتعادك عن المنكرات، ولكن ينبغي أن تتخذ لنفسك أعمالا ترضي رب الأرض والسموات، واعلم أن أبواب الحلال واسعة، وليس ما ذكرته سبب لترك التدين، واحذر من الاستجابة لوساوس الشيطان، وكن مطيعا لربك الرحمن.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات