السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التحقت في جامعة مختلطة في بلدي، وكانت صدمة بالنسبة لي، ولم أستطع التأقلم مع الاختلاط، حاولت تركها في البداية لهذا السبب، ولأني لم أجد نفسي في تخصص الهندسة المدنية، ودخلت في عدة مشاكل مع أسرتي.
في الجامعة بدأت بحفظ القرآن، حفظت 24 جزءا، وأتممت الحفظ بعد التخرج، وبدأت في التوجه للعلم الشرعي، ووجدت فائدة بسيطة، ثم تخرجت في الجامعة بمعدل مقبول، وعملت في الحكومة لمدة سنة، وبعد ذلك قررت التوجه بشكل أعمق للعلم الشرعي، فتركت العمل، وذهبت للتدريس لسببين:
1- قرب المدرسة التي اخترتها من المسجد الذي أدرس فيه.
2- قصر الدوام المدرسي.
عارض أهلي قرار التدريس بشكل شديد، وأني سأضيع مستقبلي، لكني لم أستمع لهم، وقضيت 4 سنوات على هذه الحالة -الحمد لله- تعلمت كثيرا، ولكن بسبب الظروف الاقتصادية السيئة في البلاد، وبسبب وساوسي حول الرزق، قررت العودة لعملي الطبيعي، وأصبح أمامي خياران:
الأول: العودة للهندسة المدنية، الثاني: البدء في مسار جديد وهو علوم الحاسب، أخذت دورات عبر الإنترنت -أونلاين- في علوم الحاسب والبرمجة بشكل خاص خلال هذه السنة، مستغلا يومي كله في هذا الأمر، وتركت مراجعة القرآن، واشتركت في العديد من البرامج التعليمية.
نصحني أحد الأقارب بالرجوع للهندسة المدنية؛ لأن سوق التكنولوجيا مزدحم جدا، والمنافسة فيه صعبة جدا؛ فصرت مشتتا بين مراجعة مواد الهندسة المدنية، أو المواصلة في دورات علوم الحاسب، والمشكلة أني سأسافر في الفترة القريبة للخليج للبحث عن عمل، وليس لدي أي مهارة، وأشعر أني غير موفق، ولا أستطيع أن أكمل أي شيء بدأت فيه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قصتك تعكس رحلة مليئة بالتحديات والتقلبات، وهي تجربة يمر بها الكثيرون خاصة في مرحلة الشباب، حيث تلتقي الطموحات بتحديات الواقع، دعنا نساعدك في تحليل الوضع، وتقديم بعض النصائح:
- التشتت الذي تعاني منه يمكن أن يكون نتيجة لعدم وضوح الرؤية المستقبلية لديك، وهذا شيء طبيعي عندما تكون أمام اختيارات متعددة، من المهم أن تعطي نفسك وقتا لتحديد أولوياتك، وأن تتجنب اتخاذ القرارات تحت الضغط.
- الشعور بعدم التوفيق يمكن أن يكون مرتبطا بقلقك المستمر حول المستقبل، والخوف من الفشل، وقد تحتاج إلى إعادة تقييم نجاحاتك وإنجازاتك من منظور مختلف، فقد أنجزت الكثير بالفعل، مثل: حفظ القرآن، والتحصيل العلمي في المجال الشرعي.
- من الواضح أن هناك صراعا بين ما ترغب في تحقيقه وبين توقعات الأسرة، هذا التحدي يواجهه الكثيرون ويجب التعامل معه بحكمة، ومن المهم أن توازن بين احترام رأي الأسرة وبين متابعة شغفك.
- صلاة الاستخارة والاستشارة من أهل الخبرة في المجالات التي تهتم بها، يمكن أن تكون وسيلة ممتازة لتوضيح الأمور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار".
- توكل على الله في سعيك لتحصيل الرزق أو اختيار المسار الوظيفي، قال تعالى: {ومن يتق ٱلله يجعل لهۥ مخرجۭا ويرزقهۥ من حيث لا يحتسبۥ ۚ ومن يتوكل على ٱلله فهو حسبهۥ ۚ إن ٱلله بـٰلغ أمرهۦ ۚ قد جعل ٱلله لكل شىءۢ قدرا} [الطلاق: 2-3].
- إذا كنت تجد نفسك مشتتا، قد تكون مراجعة القرآن وسيلة لتصفية الذهن وتهدئة النفس، العودة لمراجعة القرآن قد تساعدك في استعادة توازنك الروحي، مما يمكن أن ينعكس إيجابا على باقي جوانب حياتك.
- بخصوص السوق الوظيفي، سواء اخترت العودة إلى الهندسة المدنية أو الاستمرار في علوم الحاسب، حاول التركيز على اكتساب المهارات التي تطلب في سوق العمل الخليجي، ربما يمكن التركيز على دورات قصيرة، أو مشاريع صغيرة تعزز من سيرتك الذاتية.
- حدد وقتا للقرار النهائي، سواء بالعودة للهندسة، أو الاستمرار في علوم الحاسب، وبعد اتخاذ القرار ضع خطة محددة تشمل المهارات التي يجب تطويرها، والمصادر التعليمية المناسبة.
- حاول تخصيص وقت لمراجعة القرآن، حتى لو كان قليلا، هذا يساعدك في الحفاظ على التوازن بين العلم الشرعي والعلم الدنيوي.
تذكر أن الحياة رحلة طويلة، والتوفيق من الله يأتي بالصبر والتخطيط الحكيم، فاسع لتحديد أولوياتك، واستعن بالله في كل خطوة، واعلم أن الله سيكتب لك الخير حيثما كان.
والله ولي التوفيق.