خوفي من عذاب الله أصابني بالكثير من الوساوس، فكيف أقاومها؟

0 8

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يا شيخ أنا شاب ابتليت بكثرة التفكير في الموت، وبأني سأموت في أي لحظة، والخوف شديد، ليس اعتراضا على أمر الله، ولكن خوفا من الحساب الأليم، أنا أعلم أن الله رحمته سبقت غضبه، ولكني أعلم بأن الله -أحيانا- يعاقب الشخص على كلمة يتلفظ بها، فتتحول حياته وآخرته لجحيم، وربما يأتيه بقراب الأرض خطايا فيغفرها الله.

أنا أعاني من أفكار كفرية، بل لا أظن الكافر أو المشرك أن تخطر بباله هذه الأفكار، وهذا ما يزيدني خوفا!

في رمضان -في الوقت التي تصفد فيه الشياطين- تأتيني هذه الأفكار، وهذا ما زاد الأمر سوءا، ولم أعد أعلم هل أنا الذي أفكر بهذه الأشياء، أم هي وساوس! قرأت أنه في رمضان إذا حدثت وساوس تكون من النفس الأمارة بالسوء، فهل إذا أمرت نفسي بالسوء سأحاسب؟

أنا أعرف حق المعرفة أنه كل شيء هالك إلا وجهه -جل في علاه-، ولكن أتذكر الموت في كل لحظة في حياتي، وأتذكر أني سأكون وحيدا، وأن سيئاتي كثيرة، وأني قد أكون اغتبت شخصا في الماضي، ولن يغفر لي!

أفيدوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه، وأن يرزقنا وإياك الخاتمة الحسنة، ويجعلنا جميعا من أهل الجنة.

الموت -أيها الحبيب- انتقال من حياة العناء والمشقة والنكد والكبد، إلى حياة النعيم واللذة والهناء، هذا بالنسبة للإنسان المسلم، فنسأل الله تعالى أن يتوفانا وإياك على الإسلام والإيمان.

فلا ينبغي أن تبالغ في التخوف من الموت، بل ينبغي أن تستعد له، وأن تكثر من الأعمال الصالحة بقدر استطاعتك، مبتدئا بالفرائض، فتؤدي ما أمرك الله تعالى بأدائه، وتجتنب ما نهاك الله عنه، ومن فعل هذا والتزم بهذا القدر فقط؛ فإنه من أهل الجنة -إن شاء الله-، فكيف إذا زاد على ذلك وتقرب إلى الله تعالى بما يقدر عليه من النوافل، سواء من نوافل الصلاة، أو الصيام، أو الأذكار أو الصدقات، إن كان يقدر على ذلك، أو غير ذلك من الأعمال الصالحة.

فينبغي أن تستحضر هذا -أيها الحبيب- وأنك على خير عظيم، وأن الله تعالى أنعم عليك بنعمة كبيرة لا توزن بثمن، وهي نعمة الهداية إلى الإسلام والإيمان، وأنك من أهل الإسلام، وتذكرك لهذه النعمة يشرح صدرك، ويجلب السعادة إلى قلبك.

لا بد أن يجاهد الإنسان نفسه من أجل الله تعالى، فيمنعها مما حرم الله تعالى، ويحثها على أن تفعل ما فرض الله تعالى عليها، وهذه المجاهدة سبب للهداية، كما قال الله في كتابه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، ويؤجر الإنسان بقدر هذه المجاهدة، ثم إذا زلت قدم الإنسان ووقع في الخطيئة والذنب -وهذا أمر لا بد منه، لكل أحد بعد الأنبياء-، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) وقال في الحديث الآخر: (ما من عبد إلا وله ذنب يعاوده الفينة بعد الفينة) فكل واحد من العباد ليس معصوما بعد الأنبياء، فقد يقع الإنسان في المعصية، ولكن الواجب عليه أن يصلح ما أفسد، وذلك بالتوبة، بالندم على فعل هذا الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه، فإذا تاب تاب الله عليه، ومحا بالتوبة ذلك الذنب، فقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

إذا: الأمر في غاية اليسر والسهولة، وينبغي أن تستبشر وتفرح، فأحسن ظنك بالله تعالى فإنه أهل لكل ظن جميل، فالذي أحسن إليك فيما مضى سيحسن إليك فيما بقي، فعلق قلبك بعفو الله تعالى ورحمته وتوبته، مع ملازمة التقوى، والحذر من معصية الله تعالى بقدر الاستطاعة، والتوبة، وتجديدها كلما أذنب الإنسان ذنبا.

أما هذه الأفكار التي تتكلم عنها، والشكوك والأوهام الكفرية التي تراودك وتقع أنت فيها؛ فهذا أمر لا يخاف منه أبدا، لا ينبغي أن يكون مصدر قلق وفزع لك، إنما المطلوب منك أن تجاهد نفسك لمدافعة هذه الأفكار، فقد وقع في هذه الوساوس من هو خير منك من الناس، فقد وقعت لبعض الناس في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء بعض الصحابة يشكو إليه شيئا يجده في صدره، لا يقدر على البوح به ولا التكلم به، ويفضل أن يحرق بالنار حتى يصير فحما، يفضل ذلك على أن يتكلم بهذه الوساوس الموجودة في صدره، ومع ذلك قال له -عليه الصلاة والسلام-: (ذاك صريح الإيمان) يعني أن وجود هذه الوساوس مع خوفك منها، دليل على وجود الإيمان في قلبك، ولولا هذا الإيمان لما وجد هذا الفزع والخوف من كل هذه الوساوس التي تعاني منها.

إذا: هذه بشرى من النبي -صلى الله عليه وسلم- لك، ألا تخف، ولا تبال، ولا تيأس، ولا تدع هذه الأفكار تفسد عليك حياتك، جاهدها بمدافعتها، وذلك بأمور ثلاثة، أرشد إليها النبي -صلى الله عليه وسلم-:

الأول: أن تعرض عنها تمام الإعراض، لا تبال بها، ولا تعطها وزنا.
ثانيا: أن تنصرف عنها عندما تداهمك، وذلك بالاشتغال بغيرها.
ثالثا: الإكثار من ذكر الله تعالى، والاستعاذة به سبحانه وتعالى من الشيطان.

فإذا فعلت هذا فإنك -بعون الله تعالى- في خير وعافية، وستزول عنك.

أما ما ذكرته من إملاءات النفس بالسوء، وأمرها بالسوء، فإنك لا تحاسب على ما حدثت به نفسك، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات