السؤال
السلام عليكم.
أمر بفترة رهيبة من الفتور في الطاعات، وقد طالت المدة جدا، فهي ليست فتورا عابرا؛ بل في النادر أؤدي الفرائض -ولله الحمد-، لكن لا نوافل، ولا قراءة قرآن، ولا ذكرا، ولا حتى دعاء.
لم أكن كذلك، ولا أعرف السبب! هل هو حسد أو عقاب على ذنب، أو مرحلة عمرية أمر بها؟ ولكني حقا حزينة، وأجد صعوبة، وثقلا في العودة لسابق عهدي؛ خصوصا أنه ليس لدي صحبة من الأخوات الصالحات، فهن مشغولات، ومن الصعب إيجادهن.
أنا أيضا صرت مشغولة بالحياة، والأولاد، وبت حائرة في مكاني، ويصعب علي التقدم، أو الرجوع للأيام الخالية.
فما السبيل يا ترى لاسترجاع نفسي القديمة التواقة للخير السباقة للطاعات؟ خاصة وأن محيطي الاجتماعي والأسري لا يجذب إلا للدنيا، إلا قلة قليلة.
أرشدوني، بوركتم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
حرصك على الخير، واستعادة النشاط في الطاعات يدل على وجود الخير في قلبك، ويعد نداء للنفس اللوامة للمبادرة إلى الخير وإصلاح النفس، وهذا لا شك خير عظيم، ويستحق أن تستثمريه من خلال وضع خطط عملية، وجداول مهام لترتيب حياتك والعودة إلى تحسين الصلة بالله تعالى.
في كثير من الأحيان يكون سبب التراجع في الطاعات هو عدم الشعور بلذة الطاعة، أو أثرها في النفس، أو البيئة الفاسدة، وقلة الأعوان على الخير؛ مما يؤدي إلى الضعف والتراجع.
من الطبيعي أن يمر الإنسان بلحظات من النشاط والفتور؛ ففي لحظات النشاط يبادر إلى الخير ويكثر منه، وفي لحظات الفتور يكتفي بالفرائض؛ ولكن من الخطأ الكبير أن يرضى الإنسان بلحظات الفتور، بل يجب عليه الاجتهاد والمثابرة ليكون على الدوام عالي الهمة، فإذا أصاب المسلم عارض ما، فينبغي أن ينزل من خط الدفاع الأول وهو السنن إلى الفرائض، وهذا يقتضي وجود رصيد من السنن والنوافل، ثم يعود إلى نشاطه فور زوال السبب الذي يؤدي إلى الفتور، أما الرضا بالفتور فهو دليل على الخذلان والعجز.
لذلك ننصحك أختي الفاضلة ببعض الأمور، ونسأل الله أن يعينك على تطبيقها لاستعادة نشاطك في الطاعات:
أولا: عليك بالإكثار من أعمال القلوب، فهي أعمال يسيرة ولكن لها أثرا عظيما في شفاء القلب من الفتور والكسل، فإذا قوي القلب نشطت الجوارح، وسارعت في الخير، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وأعمال القلوب هي الأعمال التي محلها القلب: كاليقين، والإخلاص، والمراقبة، والمحبة، والخوف، ومن أعظم ما ينمي أعمال القلوب هو ذكر الله تعالى، والدعاء بخشوع وخضوع، وتلاوة القرآن بتدبر، والمحافظة على الفرائض بحضور قلب؛ فهذه الأعمال عندما تمارس بقلب خاشع مستشعر لعظمة الله ورقابته، تتحرك الجوارح للطاعات.
ثانيا: لا تستعجلي النتائج، فالقلوب تحتاج إلى وقت حتى تغسل من ران المعاصي والتفريط، وتستعيد نشاطها وهمتها، والمداومة على الأعمال الصغيرة له أثر عظيم، فقد سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أدومها وإن قل).
ثالثا: حاولي تنظيم وقتك، وعدم الاستسلام لما يسرق الوقت مثل: الجوال، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو غيرها من أسباب ضياع الوقت؛ كالأفلام، والمسلسلات، وغيرها، فكل هذه الأمور تؤدي إلى ضعف وقسوة القلب، والتفريط في الخير، اصنعي لنفسك جدولا يوميا تخصصين فيه وقتا للقرآن، والنوافل، وسماع المحاضرات، ودروس العلم، هذا كله سيساعدك على العودة إلى نشاط الطاعة قليلا قليلا.
أختي الفاضلة، لا تستسلمي للفتور ولا تركني إليه، حتى لا يستغل الشيطان هذا الضعف فيزيد من تراجعك، قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، لا تعطي نفسك مبررات تضعف عزيمتك على التغيير؛ كالحسد، أو العين، وتذكري أن التغيير يبدأ من داخلنا نحن، ومن سعينا واجتهادنا أولا، حتى لو وقعنا في المعصية لا يخرجنا منها إلا التوبة والعودة إلى الله تعالى، والمبادرة في الأعمال، والاجتهاد في الطاعات؛ لتكون النهاية الوصول إلى رضوان الله تعالى وسعادة الدنيا قبل الآخرة، قال الله سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
وفقك الله ويسر أمرك.