السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني منذ قرابة شهر من وساوس في العقيدة من كل أبوابها، وكان سبب هذا الابتلاء عقوبة من الله لي بسبب ذنوبي وأخطائي، والتي الحمد لله تبت منها جميعا، وسأسعى ألا أعود إليها مجددا -والحمد لله- أنا أتغلب على هذه الوساوس، وأنا في مرحلة الشفاء، ولكن يراودني شعور بعدم الإيمان، وكأني أطمئن لهذه الوساوس -والعياذ بالله-.
كما أنني أصبحت أشعر بقسوة في القلب، وكأن هناك غشاء يغلف قلبي، فبعد أن كنت أتأثر بالقرآن وآياته التي تنذر بالعذاب، أصبحت لا أتأثر به!
أرجو منك إخباري ما الذي أعاني منه، أنا أخاف أن يكون هذا من غضب الله تعالى علي، أو أن أكون من الذين يضلهم الله، وأخشى أن أتجاهل هذا الشعور فيتشربه قلبي وتفسد عقيدتي، فأصبح من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
وأخيرا: أرجو منكم أن تدعوا لي بالثبات والهداية، وأن يرزقني الله سبحانه وتعالى حلاوة الإيمان.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك ابنتنا الكريمة- في استشارة إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على الإسلام حتى نلقاه.
نشكر لك تواصلك بالموقع، ونحب أن نطمئنك أولا على إيمانك وإسلامك، ونخبرك بأنك في خير وعافية والحمد لله، وهذه الطمأنة معتمدة على كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيانه لهذه الحالة التي تعيشينها أنت، فوجود الوساوس ومهاجمتها لك، مع خوفك منها، وكرهك لها؛ دليل على وجود الإيمان في القلب وليس العكس.
فقد جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض الصحابة يشكو إليه ذلك، ويخبره بأنه يجد في صدره من الوساوس الشيء الكثير، ولكنه يكرهها، فقد روى لنا الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- فقال: جاء ناس من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به"، قال -صلى الله عليه وسلم-: "وقد وجدتموه؟"، قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان".
معنى ذلك أن هذه الوسوسة سببها هو وجود الإيمان، فإن الشيطان يحاول أن يفسد هذا الإيمان، ولكنه لم يستطع، فلجأ إلى الوسوسة.
فكراهتك للوساوس دليل على وجود الإيمان في قلبك، ولولا هذا الإيمان لما كان حصل منك كل هذا الانزعاج والخوف والقلق، فنحب أن نطمئنك أولا إلى أن إسلامك وإيمانك في خير، ولكن أنت مطالبة شرعا بالأخذ بالأسباب لدفع هذه الوساوس عن نفسك، فإن الوساوس مرض، والله -سبحانه وتعالى- إذا قدر على الإنسان مرضا فإنه قدر له قدرا آخر لدفع هذا القدر، وهو التداوي، فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله"، وقال: "تداووا عباد الله".
فننصحك بأخذ الأسباب لتدفعي عن نفسك هذه الوساوس وتريحيها من عنائها، وهذه الأسباب قد لخصها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في ثلاث وصايا مختصرة:
أولها: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فليستعذ بالله"، فكلما داهمتك هذه الوساوس قولي: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فورا.
والثانية: قال -عليه الصلاة والسلام-: "ولينته" أي يعرض عنها ويهملها بالكلية، ويحقر هذه الأفكار، ويرى بأنها أفكار سخيفة حقيرة لا تحتاج ولا تستحق منه أي اهتمام أو اعتناء، فيتركها ويعرض عنها، ويشتغل بغيرها من أي شيء ينفعه في دينه أو في دنياه.
الوصية الثالثة: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فليقل لا إله إلا الله"، أي يكثر من ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله تحصين من الشيطان ووساوسه.
فننصحك بملازمة هذا الطريق والصبر عليه، وستجدين الثمرة -بإذن الله تعالى- وعندما تنصرفين إلى العمل بما أرشدك إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتكثرين من التقرب إلى الله تعالى بأنواع الصالحات التي تقدرين عليها من صلاة أو ذكر أو قراءة القرآن، أو غير ذلك؛ فإنك ستجدين في قلبك رقة ولينا، وستعود إليه الحالات التي كان عليها من قبل من التأثر بالقرآن، فاستمري على الطريق ولا تيأسي، فإن هذه المجاهدة في حد ذاتها عمل صالح يحبه الله تعالى ويثيبك عليه، وقد قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
ومن الأسباب المهمة لصلاح دينك أن تحرصي على مرافقة ومصاحبة النساء الصالحات والفتيات الطيبات، وتكثري من التواصل معهن، والاشتراك معهن في برامجهن الدينية النافعة، فإن هذا يثبتك على الهداية، ويحبب إليك الطاعة ويسهلها عليك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.