السؤال
أنا شاب سافرت للدراسة في الخارج، وأردت الستر بعد عدة سنوات من الدراسة، فتزوجت من امرأة مسيحية من أصل أفريقي، وبعد أيام من الزواج بارك الله عليها وهداها للإسلام، ورزقنا الله بذرية طيبة -ولله الحمد والمنة- وتبينت أنها إنسانة صالحة وتقية، ولا تحب الجدال وتطيع زوجها -الحمد لله- وأنا أحبها ولا أنظر لغيرها بفضل الله تعالى.
السؤال: عارضني كثير من أفراد الأهل على زواجي وحاربنا، وقد كنت قبل الزواج أريد زوجة من أصدقاء الأهل، أو معارفهم، وقد تم عرض الفكرة على والدي، ولكنهم رفضوا بحجة صغر سني، علما بأن عمري كان فوق 22 عاما في ذلك الوقت.
عموما أبي يعامل زوجتي بصورة سيئة بعض الأحيان، ويعامل أطفالي بقسوة شديدة، ويقوم بالصراخ بشكل مفجع بعض الأحيان، اخترت أن يعيشوا في بلدهم مع أمهم ريثما أصلح من وضعي المادي، وأستقدمهم لنعيش في منزل منفصل، أبي يعيرني بشكل مباشر وغير مباشر أمام إخواني والأقارب، ويستحي أمام الناس من أنني متزوج من امرأة سمراء في أوقات نادرة.
علما بأني أحسن التصرف قدر الإمكان، ولا أرفع صوتي، ولا نتجادل أبدا، وكذلك زوجتي، وأنا أحب أبي وأقدر جهده وتعبه، وأحب زوجتي، وهي أكدت أنها تتحمل تصرف أبي، وأنها راضية -إن شاء الله- عن نفسها، وهيئتها، وتتمنى الهداية لأبي، حتى أن بعض أقاربي أصبحوا يجادلوني باستمرار عن عدم رضا أبي بزوجتي.
ماذا يجب علي أن أفعل؟ حيث إنه كلما حصل من أبي شيء مماثل يفقدني تركيزي (علما أن الوالد -حفظه الله- مؤذن مسجد).
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ منصور حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.
ما تمر به يتطلب الكثير من الحكمة والصبر، لتحقيق التوازن بين احترامك لوالدك وحبك لزوجتك وأطفالك، المشكلة تكمن في نفور وسوء تعامل والدك مع زوجتك، والذي قد يكون سببه التقاليد والأعراف التي تعود عليها كثير من أبناء المجتمعات العربية، أما من ناحية الشرع، فقد نهى الإسلام عن تعيير الناس بألوانهم وأشكالهم وأصولهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) رواه مسلم.
هذه المرأة قد أكرمها الله بالإسلام وحسن إسلامها، ووفقها الله لحسن الخلق والطاعة لزوجها - كما تقول - ومن صفات الجاهلية وسوء الخلق احتقار الناس لألوانهم وأصولهم، وتجاهل جوانب الخير والدين والاستقامة فيهم، لذلك نقدم لك بعض النصائح التي قد تساعدك في تليين موقف والدك وإصلاح ما بينكما من سوء تفاهم:
أولا: الحوار والتفاهم الهادئ، اعلم أن موقفك قوي ويؤيده الشرع، بينما موقف والدك يستند إلى العادات والتقاليد؛ ونظرا لأن والدك كما ذكرت هو "مؤذن" فإن الحوار معه من منطلق ديني وشرعي سيكون له أثر بالغ، فتذكيره بالنصوص الشرعية وآداب الإسلام قد يغير موقفه، كما ننصحك بتذكيره بحق المسلم على المسلم، وأن الإسلام لا يعتبر الأشكال والألوان إذا كان الدين والخلق حسنا.
ثانيا: إثبات خطأ موقفهم، ويكون ذلك بمقابلة الإساءة بالإحسان، وإظهار جوانب التميز في بناء عائلتك وحسن خلق زوجتك، وأيضا إثبات موقفك من خلال إبراز الإيجابيات في حياتك، وتعاملك الإيجابي والحسن مع والدك وأسرتك، مما قد يظهر مدى خطأ موقفهم.
ثالثا: الصبر والحكمة، حاول فهم دوافع والدك، ومحاولة الرد عليها بلطف، وفي الوقت نفسه راع ثقافة المجتمع والضغوط الاجتماعية التي قد تزيد من توتر والدك من خلال عدم التصادم الكامل، والاكتفاء بشرح موقفك الصحيح دينيا، وبيان حكم الشرع في ذلك، والتأكيد على حبك لزوجتك وأولادك واستقرارك النفسي معها، وهذا هو كمال الاستقرار الأسري، ومن أهم مقاصد الزواج.
رابعا: حياتك المستقلة، اجتهد في التخطيط لحياة مستقلة، وتوفير بيئة تربوية آمنة لزوجتك وأطفالك بعيدا عن الضغوط النفسية والاجتماعية، الانتقال إلى مسكن مستقل هي فكرة جيدة لتحقيق الاستقرار، مع الحفاظ على صلة الرحم، وعدم زيادة الشقاق بينك وبين والدك وأسرتك.
خامسا: الدعاء، استمر في الدعاء لله أن يصلح قلب والدك ويلينه، وحافظ على زيارته ونصحه والإحسان إليه بشكل دائم.
أخيرا، ما دامت زوجتك ذات دين وخلق حسن، ويبدو عليها الاستقامة والطاعة، فإنه يجوز مخالفة رأي الوالدين في مسألة فراقها، خاصة إذا كان لديكما أطفال وتحبها، وتقوم بأمورك على أكمل وجه، وفي الوقت نفسه كن حريصا على تقدير الضغط الاجتماعي الذي يمر به والدك، والأعراف والتقاليد التي اعتاد عليها المجتمع، واجتهد في الإحسان إليه وإقناعه بصحة موقفك، والصبر على ما تواجهه منه.
نسأل الله أن ييسر أمرك ويعينك على الخير.