العلم الشرعي..كيف أحصل عليه في هذه البيئة المزعجة؟

0 12

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشعر بأني بحاجة إلى العزلة عن الناس وعن أهلي لتحصيل العلم الشرعي، والتركيز على نفسي في هذا الزمان، والتركيز صعب جدا، والمشتتات كثيرة، ولكني لا أستطيع العمل، وشراء مكتبة خاصة؛ لأني ما زلت أدرس، وأشعر أني مقصر جدا، وأريد الانشغال بأمور نافعة، وأنا على هذا الحال منذ أكثر من سنتين، ولا أستطيع التركيز في البيت مع أهلي، وهناك تشتت ذهني وبدني، فضلا عن أني في الأصل انطوائي، وأحب العزلة، ولا أظن أني سأحصل على العلم الحقيقي في هذه البيئة.

غرفتي التي أدرس بها في مرحلة الثانوية بها مشتتات عديدة، مثل: الطعام المخزون، والملهيات، وغيرها من الأمور، وأهلي لا يسمحون لي بأن أبعد هذه الأشياء من الغرفة، أريد أن أرفع الجهل عن نفسي وعن غيري، ولكني لا أستطيع، فأنا لا أقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا على مواجهة أهلي في هذه الأمور؛ لأنها تتطلب الفقه، أشعر بضيق الصدر والتقصير الشديد، فماذا أفعل؟ أنا لا أستطيع تحصيل العلم إطلاقا في هذه البيئة، والتي ستؤدي إلى ضياع عمري ووقتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج همك ويعينك على سلوك طريق العلم النافع.

ما تشعر به من صعوبة التركيز، ورغبة في العزلة لتحصيل العلم الشرعي، هو أمر طبيعي لمن يسعى للتفوق في هذا الزمن الذي كثرت فيه المشتتات، سنحاول مساعدتك من خلال تقديم بعض النصائح العملية والدينية التي قد تعينك في هذا الطريق:

1. إعادة تنظيم بيئتك قدر المستطاع، فبالرغم من أن الظروف المحيطة بك قد تكون صعبة، إلا أنك تستطيع إحداث تغييرات بسيطة تساعد في تقليل المشتتات، قد لا يكون بإمكانك تغيير كل شيء في البيت، لكن حاول أن تجد زاوية في غرفتك أو مكانا هادئا، ولو لبضع ساعات يوميا تخصصه للعلم، يمكنك استخدام سماعات عازلة للصوت، أو اللجوء إلى وقت مبكر من اليوم عندما يكون الجو هادئا لتدرس.

2. إدارة الوقت والانشغال بما هو نافع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"، اجعل وقتك محدودا للأعمال اليومية الأخرى، وحدد وقتا ثابتا للعلم الشرعي، ولو كان ساعة واحدة يوميا، قد لا يبدو كثيرا، لكنه إذا كان مستمرا سيجلب -بإذن الله- البركة في العلم.

3. ممارسة العزلة الاختيارية: اعتزال المشتتات لا الناس، يمكنك اختيار -عزلة فكرية-، بمعنى تقليل تعاملك مع وسائل الإعلام، وتقليل التواصل الاجتماعي غير الضروري، لا يعني ذلك قطع العلاقة مع أهلك أو محيطك، ولكن يعني أن تخصص وقتا للعلم فقط، مع محاولة ممارسة الصبر على الضوضاء المحيطة بك.

4. نشعر من كلامك أنك تحمل هما كبيرا تجاه رفع الجهل عن نفسك ومواجهة المجتمع، وهذا أمر محمود، ولكن العلم لا يؤخذ دفعة واحدة، عليك بالصبر والتدرج، ابدأ بصغار الكتب، وخصص وقتا يوميا لحفظ القرآن وطلب العلم، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "العلم كثير، ولكن خذوا من كل شيء أحسنه".

5. ضيق الصدر الذي تشعر به قد يكون نتيجة الضغط النفسي والرغبة الشديدة في التفوق، هنا يأتي دور التوكل على الله والدعاء، قال تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، حاول الإكثار من الذكر، وخاصة الاستغفار، كما أن تنظيم نومك، وغذائك، وممارسة الرياضة، يمكن أن تساعد في تخفيف التوتر، وتحسين قدرتك على التركيز.

6. الاستعانة بالله قبل كل شيء، قال الله تعالى: {وقل رب زدني علما}، عليك بالدعاء والإلحاح فيه، نسأل الله أن ييسر لك طلب العلم، ويجعل لك من كل ضيق مخرجا، العلم هبة من الله، فإذا رأى منك الصدق والإخلاص في طلبه، يفتح لك أبوابا لم تكن تتوقعها.

7. الاختلاف مع الأهل في الأمور الدينية قد يكون أمرا حساسا، حاول أن تتعامل مع أهلك باللين والحكمة، وأظهر لهم أنك تسعى للخير تدريجيا، ومع الوقت قد يقتنعون بأهمية توفير بيئة مناسبة لك، ولكن الأهم ألا تؤدي محاولاتك لمواجهتهم إلى الخلاف أو القطيعة.

8. إن لم يكن بالإمكان شراء مكتبة، يمكنك الاستفادة من الدروس والمحاضرات المتاحة مجانا على الإنترنت، هناك تطبيقات وبرامج مثل: مكتبة "إسلام ويب"، و "الدرر السنية"، و"الألوكة"، تقدم لك مصادر علمية موثوقة يمكنك الاستفادة منها في تحصيل العلم الشرعي.

تذكر أن الهدف من طلب العلم هو العمل به، وليس مجرد تحصيل المعلومات، حتى لو كنت في بيئة مشتتة أو غير مثالية، ومع الصبر والمثابرة على العلم سيؤدي إلى التقدم، كما قال أحد العلماء: "العلم يعطيك بعضه إذا أعطيته كلك"، فتدرج، واعلم أن الله يبارك في الجهود المخلصة ولو كانت قليلة.

نسأل الله أن يفتح عليك أبواب العلم والفهم، وييسر لك الخير حيثما كنت.

مواد ذات صلة

الاستشارات