السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم الذي يحبكم في الله، ويتابع موقعكم ليستفيد من ما فيه من الفوائد التي تنشرونها، اليوم أتاكم يسأل، ويرجو الإجابة.
دخلت كلية الطب، وكنت أحرص على غض البصر، وأنا ملتزم من الناحية الدينية، والفضل لله والمنة، في المرحلة الثانية نظرت إلى فتاة وأعجبتني، قمت فحاولت أن لا أنظر إليها، لأني شعرت في قلبي بشيء لها -فسبحان الله- ثم أتت إلي وسألتني في الكلية، فنظرت إليها وأجبتها، سألتني عن محاضرة بسؤال قصير.
المرة الأخرى أتت هي وصديقاتها، وسألتني وأجبتها، وبعدها لم أتمالك نفسي، وبدأت بالحديث معها على مواقع التواصل.
أحببتها حبا كبيرا، وحاولت أن أتوقف عن الكلام معها، لأنه لا يرضي الله، لكن لم أستطع، وقررت أن أعترف لها بحبي، وبأني أريد أن أتزوجها، فرفضتني، وهنا صدمت صدمة العمر.
حاولت عدة مرات، وعلى مدار أربع سنوات أن أكلمها، وتقول لي: لا أستطيع، هناك شيء في داخلي يمنعني، وأنا أراك إنسانا جيدا، لكن لا أعرف لماذا أرفضك؟!
إني أراها صاحبة خلق وجمال، وتربية، على عكس كثير من البنات الموجودات في كليتنا، وأريد أن أعف نفسي بالزواج، لأن مضلات الفتن الموجودة في بلدي وكليتي كثيرة، فكثير من البنات لا يحتشمن.
أما العمل فهنالك خطوات عملية، وأدعو الله وأقول في نفسي: إن الله يقدر على كل شيء، ووالله ما دعوته دعوة إلا استجاب لي إياها، وكنت أدعوه في أشياء في نظري مستحيلة، لكن الله يستجيب لي.
ملاحظة: لم أذهب إلى بيتها لخطبتها، وإنما كلمتها على التلجرام، ولم تذهب أمي إلى الكلام مع والدتها، وكذلك أنا في كلية الطب، مرحلة ٥، وأريد الزواج بعد إكمال دراسة الكلية، علما بأن الكلية هي 6 سنوات.
أتعبتكم معي في أول سؤال، لكن الله يعلم كم أحبكم، وكم أفرح بالنظر في أسطر إجاباتكم، وفقكم الله لكل خير، وحببكم إلى خلقه، ورزقكم الفردوس.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.
أحبك الله الذي أحببتنا لأجله، ونسأل الله أن يجعل هذا الموقع سببا للهداية والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أخي العزيز: نحن نتفهم تماما مشاعرك وصعوبة الموقف الذي تمر به، ولكن لا بد من ترتيب الأمور بشكل متزن ومنطقي، حتى تقترب من الحلول، بعون الله تعالى.
أولا: الحمد لله أنك تدرك خطأ التعارف والتواصل العاطفي بين الرجل والمرأة قبل الزواج، فهذا التواصل مما نهى عنه الشرع، حماية للقلوب، وحفظا للأعراض، وفي مقابل ذلك فتح الإسلام باب الخطبة، والتي من خلالها يمكن للطرفين التعرف على أخلاق ودين بعضهم البعض في إطار وضوابط شرعية.
كونك تجاوزت هذه الأمور، فقد أوقعت نفسك في مشكلة التعلق القلبي بهذه الفتاة، فرغم رفضها لك إلا أنك استمررت على أمل موافقتها، ولمدة أربع سنوات، وهذا بلا شك له أثر سلبي على حياتك ومستقبلك، واستقرارك النفسي والاجتماعي، لذلك عليك أولا أن تتوب توبة نصوحا من تجاوزات هذه العلاقة حتى يبارك الله لك في حياتك الزوجية، واجتهد في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، في أسباب الزواج وبناء الأسرة.
ثانيا: يجب أن تكون واقعيا في تعاملك مع هذا الأمر، فالاندفاع العاطفي الكامل تجاه الزواج قد يلغي دور العقل ويجعله يفكر من زاوية الحب والعاطفة فقط، لذلك يجب أن يكون قرار الزواج مضبوطا بالنظرة الواقعية التي تحقق مقاصد الزواج والاستقرار الأسري، والسكن والمودة والرحمة، وهو ما أوضحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).
الزواج مرتبط بالقدرة المالية والبدنية والعقلية، أما الجانب العاطفي فهو يبدأ قويا مع الدخول في الزواج، ولكنه يضعف مع مرور الوقت والمسؤوليات، لذلك فالوعي بمقاصد الزواج وأسس استقراره يجعله أكثر من مجرد اندفاع عاطفي.
ثالثا: إذا لم تتوفر لديك مؤونة الزواج حاليا، فعليك بالإعداد للمستقبل، وإذا كان يغلب على ظنك أنك بعد التخرج ستجد عملا وتستقر ماليا، فلا بأس أن تتقدم رسميا لخطبة هذه الفتاة وتجعل العائلتين تتفاهمان، فقد توافق الفتاة وتغير رأيها عندما تجد التأييد والرضا والقبول العائلي، وربما بعد الخطبة يصبح من الأسهل التفاهم مع الفتاة حول الأسباب التي تدفعها لرفض الزواج وحلها بعد ذلك، كما قد يساعد تدخل العائلتين في تسهيل الأمور.
لذلك لا ننصح بالحديث المباشر مع الفتاة حول قبول الزواج قبل الخطبة، وهذا من الأخطاء التي يقع فيها الكثير، مغترين بالثقافة الغربية والمسلسلات والأفلام، لأن القرار في هذه الفترة يكون متأثرا ومنحازا بقوة إلى الجانب العاطفي، ومكوناته الوجدانية الكثيرة، كالحب والكراهية، والأشكال والمظاهر، وغيرها مما تصنعه ثقافة المسلسلات والأفلام، ومواقع التواصل، ولكن بعد الخطبة الرسمية يصبح الأمر أكثر وضوحا وسهولة في الحوار والتفاهم.
أخي، عليك بالاستخارة والدعاء أن يختار الله لك الخير وييسره لك، وكن حريصا على أن تكون صفات الفتاة التي تبحث عنها هي الدين والأخلاق، كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك).
أخي الكريم، طالما أنك تعيش في بيئة جامعية مليئة بمضلات الفتن، وعندك رغبة قوية في الزواج، ويغلب على ظنك أن أمور العمل ستتيسر بعد التخرج الذي لم يتبق منه سوى سنة واحدة، فاحمد الله إن تيسر أمر هذه الفتاة، وإن لم يتيسر فلا تظل عرضة للفتنة في دينك بانتظارها رغم رفضها، لذلك ادع الله أن ييسر لك أمر زواجك من غيرها، وبادر في البحث عن صاحبة الدين والأخلاق، فهن -بفضل الله- كثير، وستجد أن الله سيعينك ويوفقك في هذا المسعى الحسن، كما أجاب دعاءك في أمور كثيرة.
وفقك الله ويسر أمرك.