السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طبيبة تزوجت من زميلي، وهو طبيب مثلي، وعندنا توأمان، ومنذ زواجنا وأنا في إجازة لمرافقة زوجي في إحدى الدول العربية، وعملي في الخارج سيضطرني لترك أطفالي الصغار عند المربية؛ بسبب طبيعة الطب.
تركت العمل منذ 4 سنوات، وملامة من الجميع على ذلك، وربما لا أستطيع العودة للعمل، خاصة وأني أفكر بالحمل الآن، جلوسي في المنزل أتاح لي محاولة الالتحاق بغراس العقيدة للأمهات، والاستقرار في حياتي الزوجية، وتربية أطفالي، ولدي خصال يشيد بها من حولي: الأولى: تبسيط المعلومة، والثانية: توليد الكثير من الأفكار، وأحاول استغلال ذلك في العمل في مجال كتب الأطفال، والأنشطة التعليمية، بأن أحول أفكاري فيما بعد لمشروع أقوده من المنزل.
أنا حائرة جدا بين هذا المجال الذي أحبه ويخدم أطفالي ويناسب ظروفي، وبين الطب الذي بذلت فيه 13 سنة من الدراسة، وتخصصي الذي لا يخفى أثره ونفعه للناس، على الرغم من التقصير أحيانا في حق المريض؛ بسبب ضعف الإمكانيات في بلدنا، وأحيانا نفتي قدر استطاعتنا بغير علم في حالة المريض؛ لأن النظام لا يكفل لنا استشاريا يراجع معنا الحالات، والأمور التي تختلط علينا وغيرها.
أفكر أحيانا إن كنت أريد الرجوع للطب هل من أجل إفادة الناس ونيل رضا الله، أم لتحقيق ذاتي بين الناس، والمكانة، والدخل الكبير، وبسبب خوفي من انقطاع رزق زوجي لأي سبب، وندمي وقتها على تضييع الطب كوظيفة بمرتب عال؟! حائرة أيهما أعظم عند الله: تربية أطفالي، والعمل على منتجات تفيد أطفال المسلمين، وتغرس قيمنا وعقيدتنا، أم العمل كطبيبة، مع صعوبة التوفيق بينه وبين أمومتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ م.ع.م حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن ييسر لك تربية أبنائك وبناتك، ويخلف عليك كل ما يفوتك في سبيل ذلك.
وتساؤلاتك كلها تساؤلات صحيحة وجديرة بأن يوازن الإنسان بين ما يتضمنه من مصالح، فإن الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق أعظم المصالح، ولو بتفويت الصغير منها، ولدفع أكبر المفاسد، ولو بارتكاب الصغير منها؛ الحياة لا يمكن أن تستقيم إلا على الموازنة الدقيقة بين هذه المصالح والمفاسد، المنافع والمضار، للشخص في نفسه ولمن حوله.
والأمر كما تفضلت ببيانه، وأن هذه الوظيفة قد بذلت في سبيلها جهود كثيرة واستغرقت منك زمنا طويلا من عمرك؛ لذلك: ننصحك بألا تتركي هذا المجال كليا، فإنه نافع، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"، وهذه الوصية النبوية صالحة تماما لحالتك ومطابقة لها.
فاستعيني بالله تعالى، مع الحرص على الشيء النافع، فإذا تمكنت من الاستمرار في عملك ووظيفتك بما لا يتضمن فعل معصية من معاصي الله تعالى، أو تضييع حق واجب عليك تجاه أبنائك وزوجك، فهذا أفضل الخيارات؛ لأن فيه نفعا لك أولا على المستوى الشخصي، ثم على المستوى الأسري، ثم لمن حولك إذا احتسبت أجرك، وأنك تقومين بهذه الخدمة لنفع عباد الله تعالى، فهي نافعة على كل المستويات.
وتربية الأطفال أمر في غاية الأهمية، وهو الاستثمار الحقيقي للإنسان في هذه الحياة؛ فإن الأبناء والبنات هم امتداد للإنسان بعد مماته، وعملهم محسوب له؛ يسعد بسعادتهم ويناله صلاحهم، ويرجع إليه بالخير الكثير من أعمالهم الصالحة؛ فينبغي كذلك أن يكون صلاح الأبناء والبنات من أعظم الأهداف في هذه الحياة، والوصول إليه مكسب عظيم، وهو أعظم المكاسب.
فإذا تمكنت من الجمع بين الأمرين بقدر الاستطاعة، ولو بعدم الكمال والتمام في كل واحد منهما؛ فهذا أفضل من تضييع أحدهما لصالح الآخر؛ أما إذا تضمن عملك شيئا من المحرمات، ولم تتمكني من ترك هذا المحرم، أو أدى إلى تضييع أبنائك وبناتك، فإنك في هذه الحالة ينبغي أن تلجئي إلى بيتك، وأن تقومي بوظيفتك كزوجة، وأم، وربة بيت.
وأن تعلمي بأنك في هذا المجال عاملة في أعظم المجالات وأهمها؛ فصنع الأجيال وتربية الأبناء والبنات هي أعظم الوظائف وأكثرها أثرا على الأسرة والمجتمع، استخيري الله سبحانه وتعالى، وتعاوني مع زوجك، وثقفيه في بعض الأمور التي يحتاجها الأبناء والبنات؛ ليعينك ويساعدك على ما قد يحصل من خلل أو قصور أثناء انشغالك بعملك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك للخير.