أشعر أن عمري ضاع في تضحية لم تثمر شيئًا.. أرشدوني

0 2

السؤال

السلام عليكم.

حالتي النفسية صعبة جدا هذه الأيام، وذلك لأسباب كثيرة، لا أريد التحدث عنها، ولا مجال للإصلاح.

فقد ضاع عمري في التضحية، والتي ظهرت آثارها البشعة علي وعلى كل من حولي، حتى أمي أصبحت بعيدا عنها، وكأني أعاقبها؛ لأنها كانت السبب الرئيس في ما وصلت إليه، منذ صغري إلى زواجي وملابساته، ومنعي من تصحيح الخطأ في الوقت المناسب، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه!

أولادي وأمهم أصبحوا لا يطيقونني، ولا أنا أطيقهم، والحياة بيننا أصبحت جحيما؛ فقد أصبحت شخصا لا يحتمل، ولا أستطيع تصديق أن عمري ضاع نتيجة تضحية هذه نتيجتها، مما أدى إلى إصابتي بنوبات غضب انفجاري، متكرر، وبشكل رهيب، على مدار اليوم، ولأتفه الأسباب، عدا عن السيناريوهات التي تعمل في عقلي، ولا أستطيع النوم بسببها.

أنا متعب جدا، ومحتاج للهدوء، وليس هناك حل إلا من عند الله، ولم يحن وقته!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يحيى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نتفهم تماما الألم الذي تشعر به، وهذا الإحساس بالاختناق الذي يبدو وكأنه لا مفر منه، حيث تشعر أن العمر قد ضاع في تضحية لم تثمر إلا عن المعاناة.

أحيانا، يتراكم الحزن والغضب حتى يصل إلى درجة يصعب التعامل معها، وتصبح نوبات الغضب المتكررة جزءا من يومك، وللأسف هذا النوع من الضغوط النفسية قد يجعلك ترى أن الحل الوحيد هو الهروب أو الصمت الأبدي.

لكنك ما زلت هنا، وما دمت ما زلت تحاول وتكتب، فهذا يعني أن هناك جزءا فيك يسعى للحصول على الراحة والحل، حتى وإن كنت تشعر أن الكلام لن يغير شيئا.

ما تواجهه هو نوع من الغضب المكبوت، والتراكمات التي سببت لك مشاعر الإحباط الشديد واليأس، ومن الطبيعي أن تكون هذه المشاعر مرهقة، لكنها أيضا إشارة إلى حاجتك الماسة لإعادة ترتيب حياتك النفسية والإيمانية.

ما تصفه من حالك يشبه نوبات الاكتئاب الحاد، أو اضطراب الغضب المتفجر (IED)، وهذا اضطراب يعرف بنوبات غضب شديدة، وغير متناسبة مع المواقف التي تحدث، وغالبا ما يكون الشخص عاجزا عن التحكم في ردود أفعاله، مما يؤدي إلى تدهور علاقاته الاجتماعية، وأحاسيسه تجاه نفسه.

وإليك بعض الحلول النفسية، والإيمانية:
1. قم بممارسة التفريغ الآمن، حتى لو كنت ترى أن الكلام لا يغير شيئا، ويمكن أن يساعدك التحدث مع مختص، أو معالج نفسي لتفريغ هذا الكم الهائل من المشاعر؛ وليس الهدف التغيير الفوري، بل فهم الجذور بشكل أعمق.

2. التزم التأمل، والهدوء الداخلي، مع التفكر بمحتوى الأذكار؛ فالقرآن الكريم يعطينا إرشادات في مثل هذه الحالات، يقول الله تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (سورة الرعد، آية 28)، فمحاولة الالتزام بالذكر ولو لفترات قصيرة يمكن أن يساعد في تهدئة النفس، وتهدئة العقل.

3. سامح نفسك؛ فقد تكون قاسيا جدا على نفسك بسبب اختيارات الماضي، ولكن هذا العبء النفسي لن يساعدك على التقدم، "إن الله يغفر الذنوب جميعا" (سورة الزمر، آية 53)، فالله واسع المغفرة، فلا تحمل نفسك فوق طاقتها.

4. إذا كان بإمكانك الابتعاد لفترة قصيرة، ولو بالانعزال لوقت محدود، قد يساعدك ذلك على إعادة شحن طاقتك، والتفكر بشكل هادئ.

5. ركز على الدعاء لله أن يريح قلبك، ويرزقك الهدوء والطمأنينة، وعليك ان تعلم أن الابتلاءات جزء من هذه الحياة، ولكنك مأجور عليها؛ فقد قال النبي ﷺ: "ما من عبد يصيبه هم أو حزن، فيقول: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك..." ثم دعا بقية الدعاء المعروف، إلا أذهب الله همه وحزنه.

6. قد يكون البعد عن الوالدين أو الأبناء جزءا من التوتر النفسي الذي تعيشه، ولكن تقليل العزلة، والبدء بمحاولة صغيرة للتواصل يمكن أن يكون خطوة نحو تهدئة الضمير، وإعادة بناء علاقتك معهم.

إذا استمر هذا الشعور بالغضب الشديد واليأس لفترة طويلة، فمن المهم جدا أن تتواصل مع مختص نفسي للحصول على المساعدة.

التداخل العلاجي سواء عن طريق الجلسات النفسية، أو العلاج الدوائي قد يكون ضروريا في بعض الحالات.

في النهاية، ثق بأن الله لا يضيع عبده أبدا؛ قال الله تعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" (سورة البقرة، آية 286)، أي أن الله لن يضع عليك عبئا أكثر مما تستطيع تحمله، ولن يغلب عسر يسرين.

يسر الله أمرك، وشرح الله صدرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات