السؤال
السلام عليكم
أولا: أشكركم على جهودكم في إجابة تساؤلات الناس، وأسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتكم.
أعاني من الكثير من الاضطرابات النفسية التي تدمر حياتي، وأكثرها اضطراب تشوه الجسم، ونوبات هلع، ووساوس قهرية، وهي لا تزول عني، فقد تعرضت للكثير من الصدمات النفسية، والتنمر على شكل أنفي، وعلى ضخامة جسدي في صغري، حتى أن الكبار كانوا يتحرشون بي، ويقولون لي إني أفضل من الفتيات، واتهموني في شرفي بدون حق، وقد كتمت كل شيء في قلبي، ولم أخبر أحدا، فعلاقتي بعائلتي شبه منعدمة، حيث إني أحس أني عاق لهم، ولكن الله يعلم أني دائما أدعو لهم بالخير، ولكن التنشئة التي مررت بها هي التي سببت لي هذا، فقد أصبحت لدي نوبات هلع وخوف شديدة، تستمر معي لساعات.
الآن خسرت الكثير من وزني بسبب اضطرابات الأكل، وأنا إنسان كتوم جدا، منذ صغري، وصامت معظم الوقت، لكن في هذه السنوات الآخيرة أحس أني بدأت أفقد عقلي، وليس هذا ما يقلقني، بل ما يقلقني هو عدم قدرتي على القيام بالعبادات على أكمل وجه، وكثرة التقصير فيها، وهذا ما يخيفني، حيث إني لا أستطيع الاستحمام إلا بصعوبة شديدة مرة في 20 يوما، أو في الشهر، لكي أكون طاهرا من النجاسة، لكن رأسي يقول لي إني نجس، وغير متطهر، وإن صلاتي لا تقبل، وأن المؤمن الصادق يحب الطهارة، وأني منافق، علما أني -أعزكم الله- أتبول واقفا منذ صغري، فلم أستطع التعود على الجلوس، وأحاول قدر استطاعتي الاحتراز من البول.
أنا أنام كثيرا، حيث أنام أكثر من 24 ساعة، ومرات لا أستطيع النوم إلا 4 ساعات، وهذا ما يؤرقني، حيث إني لا ألتزم بالصلاة في وقتها رغم أني أحاول بكل جهدي أن ألتزم، لكن دون جدوى، فأخاف أن أكتب منافقا عند الله، خاصة عند قراءة أو سماع القرآن، أمر بآيات المنافقين (يحسبون كل صيحة عليهم)، أحس أني منهم، فأنا أعاني من نوبات هلع شديدة جدا، فكل ما رأيت أحدا يضحك أو ينظر إلي أخاف خوفا شديدا، وأحس أنه يترصد بي ويضحك علي.
لدي عائلة ويعرفون عن مرضي، لكنهم لا يساعدونني حتى بأبسط الكلمات إلا أمي -حفظها الله- تعينني بالدعاء.
أحس أن الناس تتربص بي، ويريدون أذيتي حتى أني تركت الدراسة بعد حصولي على شهادة البكالوريا، وتمر علي نوبات اكتئاب لا أخرج من البيت من شهر ونصف إلى 9 شهور.
أفيدوني، جزاكم الله خيرا، فأنا أريد أن أتخلص من هذه المشاعر التي تصعب علي العبادات حتى إن العبوس في وجهي لا يفارقني.
أتكاسل بالعبادات، وأحس أني منافق، حيث إني أنام كثيرا، ولا أصلي حتى أقوم من النوم، وفي بعض المرات حتى وإن كنت مستيقظا لا أستطيع أن أصلي، وأؤخرها، أحاول جاهدا أن ألتزم، لكني لم أستطع، فالمشاعر السلبية والوساوس لا تفارقني، ولم أستطع أن أنسى أثر الصدمات النفسية التي مرت علي.
ذهبت إلى طبيب، وأعطاني مضادات اكتئاب وقلق: (باروكسيتين/ فليوكسيتين/ كلونازيبان/ ليكزانسيا/ تالبركس/ تروكسان)، وأنا أتعالج منذ 2018 حيث إني دخلت مشفى الحالات المستعجلة بسبب انهيار عصبي.
أعرف أن السبب في مرضي هو المحيط الذي أنا فيه، ولكن لا أستطيع مغادرته، وأحس أن كل سنة تمضي يزداد علي المرض، حتى أن نوبات القلق تسبب لي فقدانا شديدا في الشهية، وتصيبني كل يوم تقريبا حتى أني في معظم الأوقات أحس أنه سيغمى علي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك أولا شكرك للقائمين على هذا الموقع، ندعو الله تعالى أن يتقبل منا جميعا، وأشكرك أيضا على تواصلك معنا بهذا السؤال وهذه التفاصيل.
أخي الفاضل: ذكرت تقريبا معظم الاضطرابات النفسية، حيث ذكرت اضطراب تشوه الجسم، نوبات الهلع، والوساوس القهرية المتعلقة بالنجاسة والطهارة، واضطرابات تناول الطعام، واضطرابات النوم، وترد كل هذا إلى الصدمات النفسية والتنمر الذي تعرضت له في طفولتك، التنمر فيما يتعلق بشكل الجسم والأنف، وذكرت أيضا أنك تجد عدم القدرة على القيام بالعبادات، وتشعر بالتقصير الشديد.
أخي الفاضل: أكون معك صريحا، أنت تسأل وتقول إنك تريد أن تتخلص من هذه المشاعر، يا ترى أي منها؟ فقد ذكرت الكثير الكثير من الاضطرابات النفسية، ومما يفيدك جدا أن تحدد أولا ما الاضطراب أو المشاعر التي تريد أن تتعامل معها وتتخلص منها؟ فلا يمكن أن تتخلص من كل هذه الأمور دفعة واحدة.
أخي الفاضل: ذكرت أنك ذهبت إلى أطباء نفسيين، وحتى أنك دخلت الطوارئ، وأنهم وصفوا لك عددا من مضادات الاكتئاب، وأنك تتناول العلاج منذ 2018.
أخي الفاضل: أنصحك بعدة أمور وهي:
- أولا: من الصعب التعامل مع كل هذه الاضطرابات والمشاعر التي ذكرتها، فأولا حدد أيها الأكثر إزعاجا لك؛ لتعمل على التخلص منها.
- ثانيا: الدواء المضاد للاكتئاب، والذي لا شك أنه سيفيدك في عدد من الأمور التي ذكرتها، وخاصة نوبات الهلع والوساوس القهرية، لا بد أن تكون الجرعة مناسبة، فليست أي جرعة تفيد، فلا بد أن تكون الجرعة كافية، ومدة العلاج وفق الجرعة الكافية طويلة بما فيه الكفاية.
- ثالثا: أحيانا لا يفيد مجرد العلاج الدوائي، ولكن علينا أن ندعم العلاج الدوائي بالعلاج المعرفي السلوكي وبنمط الحياة.
الحمد لله -أخي الفاضل- إن أمك تقف في صفك، وهي تدعو لك، فاحمد الله على هذا، ولكن أنصحك بأن تراجع طبيبا نفسيا واحدا، ليأخذ منك كل القصة، فبعض الصدمات النفسية والتنمر يحتاج إلى عدد من الجلسات العلاجية لتتخلص من بعض المشاعر السلبية الناتجة عن هذه الصدمات وهذا التنمر.
المهم أن تلتزم بطبيب نفسي واحد، يأخذ منك القصة كاملة، ثم يضع معك الخطة العلاجية، وتبدأ بالتخلص من هذه الصعوبات، واحدة بعد الأخرى.
أخي الفاضل: إنك ما زلت في هذا العمر من الشباب السابع والعشرين (27)، فأمامك فسحة طيبة لتعمل مع هذا الطبيب النفسي على التخلص من هذه الأمور التي تزعجك.
لا شك أيضا أن العمل -وإن كان عملا تطوعيا- يمكن أن يفيد، حيث ذكرت في السؤال أنك عاطل عن العمل، فأيضا هذا يمكن أن يفيدك.
أدعو الله تعالى أن يكون في جوابي هذا ما يعينك، ويعطيك الوجهة لتتجه إليها بالشكل المناسب -الوجهة أو البوصلة، لتتجه إليها بالشكل المناسب- وإن طال الطريق فلا بأس طالما أنك تسير بالاتجاه الصحيح.
أدعو الله تعالى لك بتمام الصحة والسلامة، وأن يشرح صدرك وييسر أمرك.
___________________
انتهت إجابة د. مأمون مبيض الاستشاري النفسي.
وتليها إجابة د. أحمد الفرجابي المستشار التربوي والشرعي.
_________________
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الثناء على الموقع، ونؤكد أننا في خدمة أبنائنا وبناتنا، ونسأل الله أن يكتب لك السلامة والعافية، ونشكر المستشار الدكتور مأمون على إجابته الموجهة المفيدة، ونسأل الله أن يعينك على تنفيذ ما طلبه منك الطبيب، ونحن ندعوك إلى المحافظة على الصلاة، والخضوع لله تبارك وتعالى، والاستفادة من دعاء الوالدة، واجتهد في برها، فإنه أسعدنا أن تكون الوالدة معك، والوالدة هي أقرب الناس لإجابة الدعاء، لذلك لما جاء رجل للإمام أحمد فقال: "ادع الله لي"، قال: "هل عندك من أم، قال: بلى، قال: ويحك مرها فلتدعو لك، فإن دعوة الوالدة أقرب للإجابة".
فاقترب من الوالدة واطلب منها الدعاء، واجتهد في الخضوع لله تبارك وتعالى، وواظب على أذكار الصباح والمساء، واقرأ على نفسك الرقية الشرعية، ولا مانع من أن تذهب إلى راق شرعي يقيمها على قواعد الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
واجتهد في تجاوز الماضي، ولا تقف طويلا أمام الأحداث التي حدثت لك في الصغر، فإن ما حصل من تنمر وعدوان من الناس مضى، ومضى الذين قاموا به، وكثير من الناس تعرضوا لمثل هذه المواقف، لكنهم تجاوزوها بالاستعانة بالله تبارك وتعالى، واعلم أن فيك من الصفات الجميلة التي ينبغي أن تبحث عنها، ولا أقل من أن تشكر الله تبارك وتعالى على ما أولاك من النعم، لتنال بشكرك لربك المزيد سبحانه وتعالى.
وليس من المصلحة أن تعيد الذكريات القديمة، ما حصل من الناس أو التحرش أو هذه الأمور ينبغي أن تمضي وتطوى مع صفحات الصغر، خاصة وأنت لست ملاما في معظمها، ورضا الناس غاية لا تدرك، فاجعل همك إرضاء الله تبارك وتعالى، واعلم أن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، لذلك لا بد من تكوين محيط اجتماعي فعلي من أصدقاء صالحين، ولا بد أيضا أن تكون مع الأسرة، تقضي وقتا مع الأسرة.
كذلك أيضا مسألة استئناف الدراسة، ومسألة البحث عن العمل التي أشار إليها الطبيب، هذه من الأمور المهمة؛ لأننا إما أن نشغل أنفسنا بالخير والحق، وإما أن يشغلنا الشيطان بغيره.
الوساوس أيضا علاجها إهمالها، خاصة إذا علمت أن الإنسان لا يحاسب على مثل هذه الوساوس، وهذا مما يخفف عنك، فلست منافقا، ولست كما وصفت، ولكنك -بإذن الله- مؤمن، والدليل على هذا هو الشعور بالتقصير، فإن شعورك بالتقصير في جنب الله مؤشر إيجابي، ودليل على أنك تسعى نحو الخير وتريد الخير، ونبشرك بأن الله تبارك وتعالى سيعينك، فأقبل على الله تبارك وتعالى، وتعوذ بالله من العجز والكسل، فإن العجز نقص في التخطيط، والكسل نقص في التنفيذ.
ونكرر لك الترحيب في الموقع، وننتظر منك الاستماع إلى توجيهات الطبيب وتنفيذها، والإقبال على الله تبارك وتعالى بالصلاة والدعاء والاستغفار، ونسعد بتواصلك مع الموقع لتنبئنا عن التحسن الذي سيحصل لك بإذن الله.