كيف أصل رحمي بدون أن أغضب أمي؟

0 4

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة ولدت في بلدي، وبعدها تقريبا سافرت إلى بلد آخر، قضيت فيه حوالي 13-14 سنة، حتى آخر سنة 2019، لم يحصل خلال هذه الفترة أي تواصل بيني وبين أقارب أمي وأبي إلا قليلا جدا، مع العلم أني لم أنزل إلى بلدي إلا مرة واحدة فقط، وكنت صغيرة جدا في السن.

المهم بعد أن نزلت، كان تعاملي معهم عاديا، باعتبار أني لا أعرفهم، لكني كنت أتحدث معهم بشكل عادي، ولم أكن أكرههم، لكن التواصل بيني وبينهم كان شبه معدوم، ربما بسبب أني من النوع الخجول، فالسلام والتحية هو كل ما يحدث.

لدي أخ وأخت من نفس الأب، كنت أتعامل معهم بشكل سطحي جدا، ولست سببا في ذلك، كنت أسلم عليهم بشكل طبيعي، إلا أنه حصلت مشاكل بينهم وبين والدتي، لأنهم كانوا يلمحون بالكلام، وقد انقطعت زيارتهم بعد زواجهم، وللعلم لم أحضر حفل الزفاف، وذهبت لأختي بعد أسبوع من زفافها في بيتها.

الكلام يشمل الجميع: عماتي، أعمامي، وأخوالي، الآن نويت أن أصل رحمي بالتدريج، وأبدأ بأخوالي؛ لأنه لا يوجد خلاف حقيقي بيننا، لكن كيف أصل عماتي وعمي مع علم أمي؟ خصوصا أنها لن ترضى، ولدي عمة أبي لا أكلمها، ماذا أفعل؟ فقد تعبت.

هل أعتبر قاطعة رحم، وكل أعمالي التي فعلتها لا تقبل؟ أنا تعبت نفسيا بسبب المشاكل التي كانت تحدث في كل مرة عند وجودهم، مع العلم أني كنت على علم أنها حرام، ولكن ليس إلى درجة أنها من كبائر الذنوب، وأن فاعلها لا يدخل الجنة، وقد قررت أن أحفظ القرآن، وكلما أتذكر أن عملي لن يقبل أتراجع.

ساعدوني، وإن كان لابد من وصلهم جميعا، فأرجو إفادتي بحلول لإقناع أمي؟ مع العلم أني لو وصلتهم بدون علمها، من المحتمل أن يأتوا ويخبروها.

أرجو الجواب، وآسفة على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى في التوفيق، وأن ييسر لك الخير، ويعينك على بر والديك، وصلة أرحمك.

وقد أصبت كل الإصابة -ابنتنا العزيزة- حين علمت وعرفت أنه لا بد من صلة الرحم، وأن الخلافات الأسرية مهما كانت لا تبرر القطيعة، فإن صلة الأرحام من فرائض الله تعالى، فقد أمر بها النبي ﷺ أمرا صريحا، فقال: وصلوا الأرحام، وقد أمر الله تعالى بأن نتقيه بصلة الرحم، وأمرنا باتقاء واجتناب القطيعة، فقال سبحانه وتعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}، وشنع على من يقطعون الرحم ولعنهم، فقال: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله}.

وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ فيها الترهيب من قطيعة الرحم، والترغيب في وصلها، وقد لمسنا من استشارتك أنك قرأت شيئا كثيرا منها، ولكن من الأحاديث المهمة في هذا الباب حديثان يتبين بهما الموقف الشرعي للإنسان إزاء صلة الرحم عند حصول خلافات ونزاعات، فقد قال الرسول ﷺ في الحديث الأول: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها)، فصلة الرحم ليست مكافأة ومبادلة، فالواصل الحقيقي هو الذي يصل أرحامه الذين يقطعونه.

وفي الحديث الثاني في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: (يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: إن كان كما قلت فكأنما تسفهم المل يعني تطعمهم الرماد الحار، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).

فالله تعالى في عون هذا الإنسان الواصل لرحمه عند إساءتهم، والإثم عليهم؛ فقد جعل تألمهم بهذا الإثم كتألم من يأكل الرماد الحار، قال: فكأنما تسفهم أي تطعمهم في أفواههم المل أي الرمادي الحار.

فالواجب على الإنسان أن يصل رحمه بما جرى به العرف في صلة الرحم، إن كان جرى العرف بالتواصل بمكالمات هاتفية فذاك، أو بزيارات فذاك، وبحدود استطاعته مع القدرة عليها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى، فإذا أمكنك أن تصلي أرحامك، مع إخفاء هذه الصلة عن أمك حتى لا تغضب عليك؛ فهذا أمر مطلوب وحسن.

أما إذا وقعت بين خيارين، إما أن تقطعي الرحم بطاعة أمك بالقطيعة، أو تصلي الرحم مع معصية أمك؛ فإنه لا طاعة لأمك في هذه المعصية، فقد قال الرسول ﷺ: إنما الطاعة في المعروف، وقال: لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى.

ولكن مع هذا احرصي على الإحسان إلى أمك، ومن الإحسان إليها نصحها وتذكيرها، ووعظها بعواقب قطيعة الرحم، وتذكيرها بالفضل والأجر لمن صبر على أرحامه، وتواصل معهم وقت إساءتهم.

حاولي التأثير عليها بإسماعها الأحاديث الواردة في هذا الباب، واقرئي شيئا من "رياض الصالحين" في باب بر الوالدين وصلة الأرحام، حاولي أن تسمعيها المواعظ التي تأمر بصلة الرحم، والمادة متوفرة موجودة على الإنترنت بكثرة، فحاولي أن تقدمي لها هذا النوع من الخير، والدال على الخير كفاعله، فإن لم تستطعي التأثير عليها في هذا الباب، فينبغي أن تتواصلي مع أرحامك سرا دون علمها حتى لا تغضب، لكن على فرض أنها اطلعت ونهتك عن ذلك؛ لا يلزمك شرعا، ولا يجوز لك أن تقطعي أرحامك طاعة لها.

فاحرصي على الإحسان إلى أمك والبر بها، وعدم إحزانها، والتودد إليها بأنواع الإحسان حتى ترضى عنك، وقومي بما فرض الله تعالى عليك.

نسأل الله تعالى أن ييسر لك الخير، وأن يعينك عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات