السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب، أبلغ من العمر 25 عاما، أردت أن أسألكم أنه إن انتحر فلان، ثم رحل عن الدنيا أحد والديه أو إخوته بسبب ذلك، فهل يكون قاتلا لهم؟ فهذا ما يمنعني عن الإقدام على تلك الخطوة؛ تدمير أسرتي، وأخاف أن أبوء بإثم القتل، والعياذ بالله، فما عادت لي طاقة بالصبر، وذنبي عظيم، وكأن هذا سبب عدم إجابة الدعاء! ولم يمض على توبتي سوى أيام، والذنب عظيم عظم السموات والأرض، وهو بيني وبين الله، أي لم أظلم أحدا، أو ارتكب خطئا مع أحد، أو أي فاحشة، ولله الحمد.
أعلم أن الانتحار كارثة عظمى، وهروب من عذاب إلى عذاب، لكني ما أعدت أطيق صبرا، ولا أشكو أقدار الله لعباده أبدا، لكن لا أدري ماذا أفعل لتمحى تلك الذنوب ويفرج الهم!
ما عدت أطيق حياتي أبدا إذ تعبت من التنمر، ونظرة الناس لي خاصة بعد الأمراض كلها، وغير ذلك من الصعوبات، وأعلم أني مقبل على عذاب أكبر، لكني تعبت من الأمراض الكثيرة، والمشاكل، وقد لا يليق هذا الكلام بشاب في هذا السن، لكن للأسف ما عدت أطيق الحياة، فهل أعتبر قاتلا؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يتوب عليك ويغفر ذنبك.
ثانيا: نود أولا -أيها الحبيب- أن نذكرك بأن الله سبحانه وتعالى واسع المغفرة، وأنه تواب رحيم، يقبل توبة العبد مهما عظم ذنبه، وكبرت جريمته، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
فمهما كان ذنبك، ومهما عظمت جريمتك، فإن عفو الله أوسع، وقد قال الله في الحديث القدسي: (ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، -أي بملء الأرض خطايا- ثم أتيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بملئها مغفرة)، أو كما قال.
فالشيطان -أيها الحبيب- هو الذي يحاول أن يقنطك من رحمة الله، ليجرك لارتكاب هذه الحماقة الكبيرة، والوقوع في هذا القرار الذي يدمر حياتك الدنيا وحياتك الآخرة، والله تعالى يدعوك؛ والشيطان يدعوك، وأنت بين هذين الداعيين، فتذكر وعد الله تعالى لك بالفرج، ووعده سبحانه وتعالى بقبول التوبة، وقد قال في كتابه الكريم: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات).
يغضب سبحانه وتعالى غضبا عظيما على من انتحر؛ لأنه هدم بنيانا بناه الله تعالى، واعتدى على روح خلقها الله عز وجل، فروحك هذه ليست ملكا لك، ولكنها وديعة أودعها الله تعالى عندك لتحفظها وترعاها، وجسمك ملك لله تعالى، وسوف تسأل عنه يوم القيامة؛ فاتق الله تعالى في نفسك.
كلامك جميل، حين تقارن بين العذاب الذي يعيشه الإنسان في الدنيا، وبين العذاب الذي ينتظره في الآخرة، فيما لو فعل هذه الحماقة، فأي خير في أن تنتقل من عذاب يسير قليل منقطع، إلى عذاب كبير دائم لا ينقطع؟ وأي عقل يرضى بأن تترك وبأن تفر من العذاب القليل المنقطع، إلى العذاب الكبير الدائم؟ أي عقل يرضى بهذا؟
لا شك أيها الحبيب أنك بحاجة إلى أن تقف مع نفسك، وقفة انفراد وتفكر، وتعطي الأمور حقها، فإن العذاب الذي ينتظر المنتحر بعد مماته قريب منه جدا، ليس بينه وبينه إلا أن تخرج الروح من الجسد، لينتقل إلى هذا العذاب العظيم، فاتق الله تعالى في نفسك. واعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بأن قاتل نفسه يعذب في نار جهنم خالدا مخلدا فيها كما قال -عليه الصلاة والسلام- بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه.
اتق الله تعالى، واعلم أنه سبحانه وتعالى غفور رحيم، يغفر الذنب ويتجاوز عنه، فمن جاءه تائبا قبله الله، وأبدل سيئاته حسنات، وإذا أصابك شيء من الآلام أو الأمراض، ونزلت بك بعض المقادير المكروهة في الدنيا، فإنك إذا قابلتها بالصبر والاحتساب أجرت، وسعدت سعادة لا انقطاع بعدها، بينما إذا سخطت منها، وتمردت على قدر الله تعالى، وتسخطت على إرادته وقضائه، فإنك لن تخلص نفسك من هذا القدر، فقدر الله نافذ لا محاله، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
وإنما تزيد نفسك آلاما إلى آلامك، فأحسن إلى نفسك، وأنقذها من عذاب الله تعالى، وانظر إلى الأمور بعقل وروية، وإذا فكرت وتأملت، فإنك ستصل إلى هذه النتيجة، والعقلاء يقولون الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر، فاحذر أن يجرك الشيطان، فإنه الآن يستفزك، ويدفعك دفعا لتقع في هذه الجريمة الكبيرة؛ فاتق الله في نفسك.
وأما لو أن إنسانا فعل هذه الجريمة، وأدى ذلك إلى أن أحد والديه أو أقاربه يفعلون بأنفسهم القتل، من أجل هذا المصير الذي وقع لمن يحبونه؟ فإن هذا في الحقيقة تسبب منه، تسبب منه في هذا، والشريعة الإسلامية تقيم المتسبب مقام الفاعل، وتعامله معاملة الفاعل، وشواهد الشرع بهذا كثيرة جدا، فاتق الله تعالى في أن تصيب نفسك بهذا الألم الشديد، والعقاب الكبير، والعذاب الدائم، ثم تتسبب في أن يفعل بعض من يحبونك ما تكرهه لهم، اتق الله، وعد إلى ربك، ستجده برا رحيما.
نسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك، ويقيك شرور نفسك.