السؤال
لدي صديقة أحبها جدا، ودائما أتمنى أن أضمها، وأبقى بحضنها حتى وأنا أتحدث معها، فهل هذا الفعل طبيعي في الشريعة أم لا؟ حتى أني أتمنى أن تبقيني في حضنها كما لو أني ابنتها؛ لأنها تشعرني بالأمان.
ألوم نفسي دائما لتعلقي الزائد بها، وأخشى أني مخطئة في ذلك، بالرغم أنها إنسانة تذكرني دائما بحب الله، ونحن حريصات جدا على أن نرضي الله في محبتنا، هل يجوز لي أن أضع رأسي بصدرها إذا أمنت على نفسي الفتنة؟ لأني أتمنى ذلك كلما التقيت بها وبشدة، وأشعر معها بحنان الأم لطفلها حتى أنها تخاف علي كثيرا، وتهتم بتفاصيلي اليومية، ومن شدة حبها لي دائما تقلق علي إذا لم أجب عليها، أو إذا كنت خارج المنزل تعيش في قلق من شدة خوفها علي أن يصيبني مكروه.
فما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بتول حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى أن يديم الألف والمودة بينك وبين صديقتك، وأن ينفع كل واحدة منكن بالأخرى.
ونوصيك -ابنتنا الكريمة- بأن تجعلي دائما حبك لها مرتبطا بالأسباب الدينية، كأن تحبيها لصلاحها؛ ولأنها تحسن إليك بالتوجيهات الشرعية، والتفقد لأمور دينك، ونحو ذلك من المعاني التي يحبها الله تعالى، فإذا صرفت حبك لها لهذه الأسباب صار عبادة يأجرك الله تعالى عليها، ويثيبك عنها، فإنه أوثق عرى الدين الحب في الله والبعض في الله، كما جاء عن النبي ﷺ.
وهذا النوع من المحبة هو الذي يدوم ويبقى، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
وأما بخصوص المعانقة إذا لقيتها، فقد اختلف العلماء في حكم معانقة المرأة للمرأة، فمنهم من يقول إنه أمر مكروه مطلقا، يعني في كل الأوقات وفي كل الأحوال، ومكروه يعني أن الإنسان يثاب إذا تركه ولم يفعله، ولكن إذا فعله لا يعاقب.
وبعض العلماء يرى بأنه جائز غير مكروه إذا جاء الإنسان من سفر، وبعضهم يتوسع أكثر -وهذا مذهب الحنابلة- فيقول بأنه جائز إذا كان بسبب الدين أو الإكرام والاحترام مع أمن الشهوة، فهو جائز بهذه الضوابط بلا كرهة.
وبهذا تعلمين أن أكثر الفقهاء يقولون بكراهة المعانقة في هذه الحالة التي تسألين عنها، وإن كان مذهب الحنابلة -كما قلنا- يقول بالجواز ما دمت آمنة على نفسك من الفتنة عليك وعليها، ولكن الأفضل بلا شك أن تبدئي بترك هذه العادة بالتدريج، وتكتفي بالمصافحة.
فإذا قدرت على ذلك، فهذا خير كثير وأفضل، وإذا أخذت بقول العلماء الذين يقولون بالجواز مع حصول الأمن -كما قلنا- حصول الأمن من الفتنة عليك وعليها؛ فلا بأس، لا حرج عليك في ذلك.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.
______________
انتهت إجابة د. أحمد الفودعي المستشار التربوي والشرعي، وتليها إجابة د. مأمون مبيض الاستشاري النفسي.
______________
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.
أولا: أحمد الله تعالى لك على أمرين:
الأمر الأول: أنك حريصة على مرضاة الله سبحانه وتعالى، وعلى حبك للإسلام والعبادة، فهذا أمر طيب.
الأمر الثاني: أن هناك من يفكر فيك ويعتني بك -كما وصفت في سؤالك- ولكن -أختي الفاضلة- من خلال قراءتي لسؤالك أعتقد أن فطرتك ما زالت سليمة، لذلك أنت تخشين من أن تقعين في الخطأ، وتلومين نفسك على هذا التعلق الزائد.
أولا: لا بأس أن يكون للإنسان صديق، كما هو معك مع هذه الفتاة الأخرى، فهذا أمر طيب، ولكن الفطر السليمة ترشدك -وأنا أؤكد على هذا- على خطورة هذا الأمر؛ لأنه قد يخرج عن السيطرة، وأنت ذكرت أنك تحاولين أن تأمني على نفسك من الفتنة، ولكن من يأمن على نفسه من الفتنة إن كان في وضع خطير؟! لذلك أنصحك بأن لا تسترسلي في هذا التعلق.
ذكرت أنك تتمنين أن تضعي رأسك على صدر صديقتك، وهذا لم تفعليه بعد، نصيحتي بأن ألا تفعليه طالما هي أمنية، وبأن تحاولي أن تخففي من هذا التعلق.
نعم لك أن تلتقي بها وتتواصلي بها، وتذكير بعضكم البعض بطاعة الله تعالى، وبما يرضي الإسلام، ولكن لا بد أن تضعي حدا، فما زاد عن حده انقلب إلى ضده.
أختي الفاضلة: واضح من سؤالك أنك في حاجة إلى من يقدم لك الرعاية والحنان، حنان الأم لطفلتها -كما ذكرت- ولكن لننظر إلى الواقع بواقعية، فأنت لست طفلة، وهي ليست أمك، وربما لديك حاجة لمثل هذا بسبب التنشئة والطفولة التي لم تذكري لنا عنها شيئا.
فإذا الخلاصة: نعم ابقي على صداقتك وأخوتك مع هذه الصديقة، ولكن عليك أن تحذري؛ لأن الأمر قد يخرج عن الأمر الطبيعي، وقد -لا قدر الله- تقعين في المحذور.
كما ذكرت لك -أختي الفاضلة- أعتقد أن فطرتك سليمة، وكما في الحديث (استفت قلبك)، فإذا كنت غير مرتاحة وتشعرين بلوم الذات؛ فنعم ربما تجاوزت التعلق الطبيعي.
أخيرا -أختي الفاضلة-: أنت في سن العشرين، ولا شك أن السنين ستعلمك الاعتدال في مثل هذا التعلق، ليس فقط بهذه الصديقة وإنما مع الناس بشكل عام.
أدعو الله تعالى أن يثبتك على دينه القويم، ويرشدك لأصوب الفكر والعمل، ولا تنسينا -أختي الفاضلة- من دعوة صالحة في ظهر الغيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.