عدم تقدير والدتي يجعلني أفقد السيطرة وأسيء إليها!

0 23

السؤال

السلام ورحمة الله وبركاته

أنا شاب مصري، في العشرين من عمري، وأعاني من أزمة نفسية عميقة، تتعلق بعلاقتي بوالدتي.

بعد وفاة والدي وأنا صغير، أصبحت المسؤول عن الأسرة، لكنني أشعر بعدم تقدير من والدتي، تعاملني وكأنني مجرد عامل نظافة، تتجاهل جهودي وتدعو علي لأتفه الأسباب، ولا تتحدث عني بإيجابية، وهذا الجرح يؤثر على نفسيتي وتصرفاتي، وأحيانا أفقد السيطرة على أعصابي وأسيء إليها؛ مما يزيد شعوري بالندم لاحقا.

حياتي تنهار، وقد أثرت هذه المشاكل على دراستي، حتى إني رسبت في السنة الأولى بالجامعة، وأشعر بالعجز والإهمال، حيث تفضل والدتي الآخرين علي؛ مما يزيد من إحساسي بعدم الأهمية، وسمعت من شيخ أن معاملة الإنسان لوالديه تؤثر في حياته، وأخشى أن سلوكي تجاه والدتي هو سبب تعاستي وفشلي.

أريد أن أعرف كيف أستطيع التكفير عن أخطائي، وتحسين علاقتي بوالدتي؟ هل ينطبق ما قاله الشيخ على حالتي؟ كيف أخرج من هذه الدائرة المعقدة؟ أشعر بمشاعر متضاربة بين الحب والغضب تجاهها، وأخشى أن يؤثر هذا على مستقبلي وزواجي.

أرجو توجيهي للحل الشرعي الصحيح، وشكرا لكم على وقتكم وجهودكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشعر بعمق الألم والمعاناة التي تعيشها، ونتفهم تماما تعقيد مشاعرك تجاه والدتك.

ليس من السهل التعامل مع مثل هذه الأوضاع، خاصة عندما يتداخل الحب العميق مع مشاعر الغضب والإحباط، أنت في مرحلة حساسة من حياتك، وتحملك لمسؤولية الأسرة منذ صغرك، مع فقدان الوالد، يمثل ضغطا كبيرا.

أولا: لفهم العلاقة المعقدة بينك وبين والدتك، من الطبيعي أن تؤثر العلاقات العائلية على النفسية والشعور بالرضا الشخصي، ولكن يجب أن نذكر أن والديك، وخاصة والدتك، لهما مكانة عظيمة في الإسلام؛ فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: (وقضىٰ ربك ألا تعبدوا۟ إلآ إياه وبٱلوٰلدين إحسٰنا ۚ إما يبلغن عندك ٱلكبر أحدهمآ أو كلٰهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولۭا كريمۭا) (الإسراء: 23) رغم المعاملة التي قد تكون مؤلمة، تظل مسؤوليتك الحفاظ على الإحسان إلى والدتك، وقد قال رسول الله ﷺ: (أنت ومالك لأبيك). وهذا يشير إلى أهمية دورك ومسؤوليتك تجاه والدتك، حتى في الظروف الصعبة.

ثانيا: مشاعر الغضب تجاه والدتك شيء غير مقبول، ولا يوجد له عذر، ولا تقل بسبب الضغوط، لأنه لا يوجد أي عذر يبيح للإنسان أن يعق والديه، فالعقوق من الكبائر، ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس" (رواه البخاري) فوالدتك حملتك في بطنها تسعة أشهر، ثم ربتك وأنت صغير لا تستطيع أن تنفع نفسك بشيء، فلما كبرت نسيت هذا، وجازيتها أسوأ جزاء، ما هذا بالعدل أخي الكريم! فاتق الله في نفسك، واذهب لوالدتك واطلب رضاها، وإن أغضبتك فيجب عليك أن تتحكم في أعصابك، ولا تعاملها كتعامل الناس العاديين في الشارع.

من المهم أن تحاول التحكم في أعصابك عند التعامل معها، خاصة عندما تشعر بالإهمال أو الجرح، ففهم هذه المشاعر هو الخطوة الأولى للتغلب عليها عندما تشعر بالإحباط أو الغضب، فحاول أن تأخذ خطوة للخلف، وتأخذ وقتا لتهدئة نفسك، قبل أن تتفاعل، هذا لا يعني أنك يجب أن تكبت مشاعرك، بل أن تعبر عنها بطريقة محترمة وبناءة.

ثالثا: إليك بعض النصائح لتحسين علاقتك بوالدتك، والتكفير عن الأخطاء التي ربما ارتكبتها:

1. بما أن علاقتك بوالدتك تؤثر على حياتك الإيمانية والدنيوية، يجب عليك التوبة الصادقة والندم على أي سوء تعامل قد صدر منك، اجعل الاستغفار واللجوء إلى الله جزءا من يومك، واطلب منه أن يسامحك ويهدي والدتك.

2. حاول فتح باب الحوار مع والدتك في وقت مناسب، عندما تكونان هادئين، عبر عن مشاعرك بلطف وبدون انفعال، وأوضح لها أنك تحبها، وتتمنى أن يكون هناك تفاهم أفضل بينكما، ركز على استخدام (أنا) عند التعبير عن مشاعرك مثل: أشعر بالحزن عندما، بدلا من (أنت) لتجنب توجيه اللوم.

3. حتى لو شعرت أن والدتك لا تقدر جهودك، استمر في البر بها والإحسان إليها؛ فإن ذلك ليس فقط واجبا شرعيا، بل هو مفتاح رضا الله، وفتح أبواب الخير في حياتك، قد يكون الله سبحانه وتعالى يختبرك من خلال هذا الموقف، وبهذا البر ستنال ثوابا عظيما.

4. عليك بالصبر والمثابرة، قال الله تعالى: (وٱصبر علىٰ مآ أصابك ۖ إن ذٰلك من عزم ٱلأمور) (لقمان: 17) الصبر في التعامل مع والدتك هو جهاد في سبيل الله، تذكر أن الرزق والتوفيق في حياتك قد يكونان مرتبطين بصبرك على هذا الابتلاء.

5. لا تقلل من شأن الدعاء، اسأل الله بصدق أن يصلح قلب والدتك تجاهك، وأن يلين قلبها ويشرح صدرك، فقد تكون هناك حكمة إلهية في هذه التجربة التي تمر بها.

رابعا: عليك بالعناية بنفسك، وطلب المساعدة، لا تنس أن تتحدث إلى شخص تثق به، سواء كان شيخا أو مرشدا نفسيا، لتفريغ مشاعرك والحصول على نصائح عملية ومهنية، قد يساعدك الاستعانة بمختص أو معالج؛ لمساعدتك على إدارة التوتر والغضب، والتعامل مع هذه المشاعر بطريقة أكثر صحية.

خامسا: من المهم أن تعطي وقتا لنفسك لدراستك وتطوير ذاتك، النجاح في الحياة الدراسية والمهنية جزء من برك بوالدتك؛ فأنت تصبح بذلك شخصا قادرا على العطاء. لا تدع هذا الوضع يؤثر سلبا على مستقبلك، حاول أن تجد توازنا بين الاهتمام بوالدتك وتحقيق أهدافك الشخصية.

تذكر أن ما تمر به هو اختبار من الله، وفرصتك الآن هي تحسين علاقتك بوالدتك، وتغيير هذه الديناميكية السلبية إلى شيء أفضل، تذكر أن الطريق إلى الإصلاح يبدأ من الصبر، الدعاء، والمثابرة في الإحسان، وربك سبحانه يرى كل جهد تبذله، وأجر البر عظيم، ليس فقط في الدنيا، ولكن أيضا في الآخرة.

نسأل الله أن يفرج همك، ويصلح حالك، ويجعل قلب والدتك راضيا عنك، ويكتب لك النجاح في حياتك الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات