لماذا عندما أجتهد في المذاكرة أتساوى مع من لا يجتهد؟

0 18

السؤال

السلام عليكم.

أريد أن أعرف لماذا عندما أجتهد في المذاكرة تكون نتيجة الاختبار غير جميلة، بينما غيري عندما لا يجتهد في المذاكرة، ويدرس قبل الاختبار بيوم، تكون درجته مقاربة لدرجتي؟ أليس لكل مجتهد نصيب؟ وهل هذا من العدل؟

لقد أرقني هذا الموضوع، وأحبطني بطريقة لا توصف.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rhma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

في البداية هذا الموضوع بحاجة إلى تفصيل من جوانب عدة، ويحتاج منك إلى وعي بكل هذه التفاصيل؛ ليتحقق لك التوازن، وصولا إلى اليقين، ويذهب من قلبك أي شك أو ريب قد يدخلك في حيرة.

وللإجابة على هذه التساؤلات، سنستعرضها من عدة جوانب، لنتمكن من الإحاطة بمسبباتها، وتقديم إجابة شافية -بإذن الله تعالى-.

الجانب الأول: الحكمة الإلهية في التفاوت في القدرات والمواهب:

أولا: علم الله وعلم الإنسان: من أعظم الأمور التي تثير التساؤلات عند البشر هو علمهم المحدود، وحاجتهم للمعرفة، مقارنة بعلم الله المحيط والمطلق، قال تعالى: (وأن الله قد أحاط بكل شيء علما).

لذا من الطبيعي أن يسأل الإنسان عما يجهله، ويثير لديه الحيرة، ولكن الشيطان يجتهد في أن يحول هذه التساؤلات إلى شكوك تضعف الإيمان، وتبعد الإنسان عن ربه، لذلك فإن علاج الشك يكمن في طلب العلم والمعرفة بتجرد وصدق، فإن عجز عن ذلك توجه لأهل العلم المعتبرين، كما قال الله تعالى: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، لذلك من المهم أن لا تبقي التساؤلات دون معرفة وعلم؛ حتى لا تتحول إلى شك يتعاظم في نفسك يوما بعد يوم.

ثانيا: تفاوت القدرات: يجب أن تدركي أن الحياة لا تستقيم دون تفاوت القدرات بين الناس، وهذا التفاوت يدفع الإنسان للسعي والتقدم، فلو أن كل الناس يمتلكون نفس القدرات، فلن يكون هناك دافع للتنافس أو للتحسين؛ لانتفاء الحاجة لذلك، لهذا فالتفاضل يخلق دافعا لدى الإنسان لبذل الجهد، وتجاوز التحديات، وهذا بدوره يحقق البناء والتنمية، وصولا لتحقيق التكريم الإلهي لهذا الإنسان، وجعله خليفة في الأرض، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).

ثالثا: الحكمة في العطاء والمنع: فعندما يحرم الإنسان من شيء قد يشعر بالألم، لأنه يرى جانبا واحدا فقط، وهو ما يظهر له في حدود علمه، لكنه ينسى أن الله قد أعطاه نعما أخرى يتفوق بها على الآخرين، وهذا المنع والعطاء يحقق التوازن في الحياة، ويجعل الناس في حاجة إلى بعضهم البعض، وهو مبدأ التسخير الذي يحقق عمران الحياة، كما ذكر الله في قوله تعالى: " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا -قال تعالى:- ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا".

رابعا: التفاوت كابتلاء: فالتفاوت بين الناس في القدرات هو في الحقيقة ابتلاء وامتحان، فبعض الناس يستخدمون مواهبهم في الخير، بينما قد يسيء البعض استغلالها، لذلك ليس كل من يمتلك تميزا يكون ذلك لصالحه، فالله يختبرنا بما أعطانا، قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، لذلك فوجود النعم مع سوء استخدامها يكون نقمة على الإنسان، وحسابه عند الله تعالى، فالنظر للتفاوت من هذه الزاوية يحقق في النفس التوازن والرضا، ويدفع الإنسان أن يكون صالحا مصلحا.

أختي الفاضلة: عندما ننظر للتفوق الأكاديمي لصديقتك، نلاحظ أنك تركزين على الجانب السلبي فقط: "كيف لها أن تذاكر قليلا وتتفوق، بينما أنت تبذلين جهدا طوال العام؟" لذلك تأملي قليلا التالي:

أولا: التركيز على الإيجابيات؛ فربما تمتلكين قدرات أخرى تتفوقين فيها، لذلك عليك أن تنظري إلى إيجابياتك، وتقدريها، فتركيزك على الجوانب الإيجابية يساعدك في تحقيق التوازن والرضا.

ثانيا: الاجتهاد والمثابرة: فالحياة في الأساس تعتمد على الاجتهاد، والمثابرة، والسعي، قال تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، فإذا اعتادت صديقتك على النجاح مع بذل جهد قليل، فقد تواجه صعوبات لاحقا عندما لا تستطيع تحقيق نفس النتائج أو لا تتوفر نفس الظروف، أما أنت فباجتهادك المستمر ستتمكنين من النجاح في مجالات متعددة في الحياة؛ لأنك أسست نفسك بشكل أفضل.

ثالثا: رحلة الاجتهاد ليست فقط لتحقيق النجاح الأكاديمي، بل هي أيضا فرصة لبناء عادات إيجابية، واكتساب مهارات حياتية على طول الطريق، لهذ فالمكاسب لا تقدر بثمن، وستظهر فوائدها في مجالات حياتك المستقبلية، فلا تنظري للنجاح والتفوق من زاوية ضيقة.

رابعا: التوازن في منح الله للقدرات: فالله يوزع القدرات بشكل يحقق التوازن والتكافؤ في الحياة عموما، ومع ما يتناسب مع حياتنا وظروفنا الخاصة، فربما يمنحك الله قدرات تلبي احتياجاتك النفسية والحياتية لا يعطيها للكثير، وهذا هو توفيق الله وإعانته، لذلك قد لا تجدين أهمية لبعض القدرات في وقت ما، ولكن تجدين دورها في أوقات أخرى عندما تواجهين صعاب الحياة.

أختي الفاضلة: صحيح أن لكل مجتهد نصيب، لكنها لا تعني بالضرورة الوصول إلى الهدف الذي نرغب فيه تحديدا، بل إن الرحلة نفسها قد تكون ثمرة الاجتهاد، ومصدرا لبناء الشخصية، واكتساب القوة، وقد يكون هناك إعداد لما هو قادم في قدر الله وعلمه المحيط، المهم ألا تجعلي نجاحك مرتبطا فقط بالوصول إلى الهدف؛ لأنك بذلك قد تفقدين الكثير من المكاسب التي تحققينها على طول الطريق، ولا تشعرين بالرضا.

اجتهدي في تعزيز علاقتك بالله تعالى: من خلال الدعاء، والذكر، والإكثار من النوافل والأعمال الصالحة، وتأملي في أقدار الله وحكمته، وتصريفه لأحوال الناس، حينها ستجدين أن الشكوك تتبدد، ويملأ قلبك الطمأنينة، قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وقال أيضا "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة".

وفقك الله ويسر أمرك.

مواد ذات صلة

الاستشارات